عبده خال
في الإعادة إفادة
نحن نمتلك الإمكانيات المادية والفكرية ومع ذلك لا تستغل هذه الإمكانيات في تدعيم موقفنا الثقافي على مستوى العالم العربي، فإذا قمنا بإحصائية بسيطة عن القنوات الفضائية التي تمثل هذه البلاد أو بمعنى أصح أن أصحابها ينتمون لهذا الوطن سنجدها الأكثر عددا ومع هذا فهي تغفل تقديم الصورة الحقيقية لمثقف هذه البلاد ومن باب المطالبة بالمساوة مع ساعات البث التي تمنح للآخر نحن بحاجة ماسة لتقديم مفكرينا ومثقفينا وأدبائنا لهذا الآخر الذي يظن بنا كل الظنون وهو معذور لأن مايقدم له في أحيان كثيرة لا يمثل الصورة الحقيقية لما وصلت إليه معارفنا وهذا الدور لا تنهض به إلا أجهزة إعلامية لها من الإمكانيات مايؤهلها للنهوض بهذا الدور الوطني.
وإذا افترضنا أن تلك القنوات راغبة في القيام بمثل هذا الدور يصبح من مهام المذيعين السعوديين المنتشرين في هذه القنوات أن يتواصلوا مع فروع الثقافة المختلفة في البلد وتقديم النماذج المضيئة.
لازلت أقول إننا نمتلك المقدرة على تصدير فكرنا، وثقافتنا التي ظلت لوقت طويل محط اندهاش من لا يقرأنا، وتقف بيننا وبينه حقول النفط، وغيابه عن تسارع منجزنا في مجالات الإبداع والفكر، وعندما استخدم لفظة اقتصادية بحتة (التصدير) فذلك لأن الكتابة دخلت مجال الصنعة والاحتراف، ويمكن إدراجها كسلعة تخضع للعرض والطلب ومن هنا نستعير مصطلحات الاقتصادين وأدواتهم في ترويج السلع، فكم من سلعة رديئة تم الإقبال عليها من خلال إشباع ذاكرة المستهلك بهذه السلعة.
وكم من كاتب يكون مليء السمع والبصر بفعل العجلة الدعائية له من خلال الصحف والإذاعات وأخيرا القنوات الفضائية وعندما تقف على منجزه الكتابي تفطن لدور التسويق الذي يمارس في صالح هذا الكاتب أو ذاك.
وقد أثير قبل سنوات:
- لماذا لا يحتفى بالكاتب السعودي في الصحف العربية مقارنة باحتفانا بكثير من الكتاب؟
وكنت أرى في ذلك الوقت أن الإبداع الجيد يفرض نفسه ويقود لأن يحتفى بك أينما كنت، لكن الكتابة الجيدة أيضا تحتاج إلى عنصر التسويق، وأعتقد أن الكتاب الجيدين يظلون في معزل إذ لم توجد علاقة تروج هذا الجيد.
وأجزم أن هذه القنوات هي أو مذيعيها لو تعبت قليلا بالبحث عن الجيد وتقديمه لاستطاعت في فترة وجيزة أن تقدم الشيء الكثير عن بلادنا، وليس هذا مقتصرا على الأدب فهناك مجالات عديدة يمكن أن ترى النور وتحقق نجاحا كبيرا فنحن نتكئ على إرث حضاري موغل في القدم على سبيل المثال هل قامت قناة فضائية بالوقوف على الآثار التي تحتضنها بلادنا إننا نعرف الشيء الكثير عن الآثار التي تتوزع في العالم العربي ولا نعرف إلا القليل عن مدائن صالح أو الفاو أو أخدود نجران أو طريق أبرهة ونعرف الشيء الكثير عن التطور الاجتماعي في دول الجوار ولا نعرف شيئا عن تطور مدننا التي تقف اليوم شامخة، نعرف كثيرا من المهن التقليدية بينما تنقرض مهن ذات أصول نمت بهذه الأرض وهاجرت، عادات اندثرت، أهازيج ماتت في الذاكرة، مفكرون كالجاسر لا يجرى معه لقاء مطول عن دوره الجليل الذي قدمه للثقافة العربية، عبد الكريم الجهيمان تستند عليه كثير من الدراسات العربية في الأسطورة ونحن نضن عليه بلقاء عابر، اقتصاديونا، سياسيونا، تقديم الدراما المحلية ودعمها بالنصوص المحلية... إلخ.
إذا نحن لسنا فقراء ولكننا لا نعرف كيف نستغل إمكانياتنا لتقديم قدراتنا وهذا يستوجب على رجل الإعلام الذي تواتيه الظروف للعمل في إحدى القنوات لأن يعمل من أجل تقديم دور وطني يصبح في أحيان كثيرة دورا وطنيا واجب القيام به.