كنت أعيش لحظات حبك الأخيرة. ولم يكن يهمني شيء في تلك اللحظة، سوى أن أراك.. وأن أنتهي منك في الوقت نفسه!
ولكن.. كنت أخاف حبك. كنت أخاف أن يشتعل حبك من رماده مرة أخرى. فالحب الكبير، يظلّ مخيفاً حتى في لحظات موته.. يظلّ خطراً حتى وهو يحتضر.
أكثر اللحظات وجعاً، أكثر اللحظات جنوناً، أكثر اللحظات سخرية، كانت تلك التي وقفت فيها لأسلم عليكِ، وأضع على وجنتيك قبلتين بريئتين،
مستعملاً كل المفردات اللائقة بذلك الموقف العجيب
كم كان يلزمني من القوة، من الصبر ومن التمثيل، لأوهم الآخرين أنكِ لم تكوني المرأة التي قلبت حياتي رأساً على عقب؟
لقد كانت تلك هزيمتك الأولى معي.. انتهى كل شيء إذن. ها أنا قابلتك أخيراً، أكان هذا اللقاء يستحق كل ذلك الانتظار، كل ذلك الألم؟
كم كان حلمي به جميلاً! وكم هو اليوم مدهش ومسطّح في واقعه! كم كان مليئاً بانتظارك، وكم هو فارغ.. موجع بحضورك!
أكانت نصف النظرة التي تبادلناها بين نظرتين، تستحق كل ذلك الوجع، كل ذلك الشوق والجنون؟
تريدين أن تقولي لي شياً، وتتلعثم الكلمات.. تتلعثم النظرات.
لقد نسيت عيناك الحديث إليّ.. ولم أعد أعرف فكّ رموزك الهيروغليفية.
فهل عدنا يومها إلى مرتبة الغرباء، دون أن ندري؟
افترقنا..
قبلتان أخيرتان على وجنتيك. نظرة.. نظرتان.. وكثير من التمثيل، وألم سري صامت.
تبادلنا جميعاً كلمات المجاملة والتهاني والشكر الأخير.
"لا تطرقي الباب كل هذا الطرق.. فم أعد هنا
لا تحاولي أن تعودي إليّ من الأبواب الخلفية، ومن ثقوب الذاكرة، وثنايا الأحلام المطويّة، ومن الشبابيك التي أشرعتها العواصف.
لا تحاولي..
فأنا غادرت ذاكرتي. يوم وقعت على اكتشاف مذهل: لم تكن تلك الذاكرة لي، وإنما كانت ذاكرة مشتركة أتقاسمها معك. ذاكرة يحمل كل منا نسخة منها حتى قبل أن نلتقي.
لا تطرقي الباب كل هذا الطرق سيدتي.. فلم يعد لي باب.
لقد تخلّت عني الجدران يوم تخلّيت عنك، وانهار السقف عليّ وأنا أحاول أن أهرّب أشيائي المبعثرة بعدك.
فلا تدوري هكذا حول بيت كان بيتي.
لا تبحثي عن نافذة تدخلين منها كسارقة. لقد سرقت كلّ شيء منّي، ولم يعد هناك من شيء يستحقّ المغامرة.
لا تطرقي الباب كلّ هذا الطرق الموجع..
هاتفك يدقّ في كهوف الذاكرة الفارغة دونك، ويأتي الصدى موجعاً ومخيفاً.
ألا تدرين أنني أسكن هذا الوادي بعدك، كما يسكن الحصى جوف "وادي الرمال"؟
تمهّلي سيدتي إذن..
افترقنا إذن..
الذين قالوا الحب وحده لا يموت، أخطأوا..
والذين كتبوا لنا قصص حب بنهايات جميلة، ليوهمونا أن مجنون ليلى محض استثناء عاطفي.. لا يفهمون شيئاً في قوانين القلب.
إنهم لم يكتبوا حباً، كتبوا لنا أدباً فقط
العشق لا يولد إلا في وسط حقول الألغام، وفي المناطق المحظورة. ولذا ليس انتصاره دائماً في النهايات الرصينة الجميلة..
إنه يموت كما يولد.. في الخراب الجميل فقط!
افترقنا إذن..
فيا خرابي الجميل سلاماً. يا وردة البراكين، ويا ياسمينة نبتت على حرائقي سلاماً.
يا ابنة الزلازل والشروخ الأرضية! لقد كان خرابك الأجمل سيدتي، لقد كان خرابك الأفظع..
قتلت وطناً بأكمله داخلي، تسللت حتى دهاليز ذاكرتي، نسفت كل شيء بعود ثقاب واحد فقط..
من علّمكِ اللعب بشظايا الذاكرة؟ أجيبي!
من أين أتيت هذه المرة _أيضاً_ بكل هذه الأمواج المحرقة من النار. من أين أتيت بكل ما تلا ذلك اليوم من دمار؟
افترقنا إذن..
لم تكوني كاذبة معي.. ولا كنتِ صادقة حقاً. لا كنتِ عاشقة.. ولا كنتِ خائنة حقاً. لا كنتِ ابنتي.. ولا كنتِ أمي حقاً.
كنت فقط كهذا الوطن.. يحمل مع كل شيء ضده
نقلته بألم