الأستيقاظ من الصحو
هو على سريره يجذبه السهر للبقاء في الفراش، وهي مثله ،ولا يجذبها للبقاء سوى مكر العشاق.. فرك أسنانها لمرتين متتاليتين، وكوب كبير من الشاي كاف لتطمأن من أن صوتها أصبح جاهزا لارباك رجل، تغار من النوم الذي يشغله عنها.. فتقرر أن تكون أول من يقول له (صباح الخير).. تحتضن مخدتها وتعصرها بين يديها لتستعيد شيئا من الشجاعة، هاتفها في كفها اليمنى.. ودفتر الاسماء يشير إلى اسمه.. بضغطة زر كان اسمه المشفر يضيء الشاشة الصغيرة ..
توت .. يتصاعد رنين الهاتف، وتتصاعد دقات قلبها.. تعض شفتها السفلى بقوة.. تتمنى أن لا يرد، ثم تتمنى أن يرد، ثم تعود وتتمنى أن لا يرد…
- انتظرت اتصالا ليليا..
كان صوته القادم من أعمق نقاط الكسل جذابا، يلقي الكلام بثقة، وكأنه توقع كل شيء.. يحملها صوته إلى حقل من الورد، تريد الاكتفاء بما سمعته، تريد أن تصمت لعشر دقائق حتى تتنشق حروفه، وتستيقظ على غيبوبة من الاحلام. صوته كان فلاحا، يحرث المسافة بينهما ويجري فيها الماء، ليبرد الأرض الملتهبة من أثر الصيف. صوته ممثل مسرحي يرتدي الاسود، ويخفي بياض مشاعره خلف قبعة بذات اللون. صوته كراقصة تعرف بدقة أين تضع قدمها الصغير، وكيف ترفعها في الهواء.
ضج في صدرها شعور ملح بأن تلقي عليه قصيدة تخدرهما معا. لكنها مازحته بالقول:
- خشيت أن تغلق الهاتف، أو أن تشتمني إذا ما اتصلت في وقت أبكر..
يضحك بصوت ناعس، شبيه بضحكات العجائز.. ضحكة تعكس في ملامحها تفاصيل مناماته المحلقة، وغبطته البريئة،التي يحاول الرجال عادة إخفائها، والتظاهر بفهم كل ما يحدث..
كانت تريد أن تقول له (أحبك) ولكنها قالت:
- إلى اللقاء..
كان يريد أن يقول (ابقي قليلا) لكنه قال :
- مع السلامة..
تذكرت أنها لم تقل له (صباح الخير) ، أخذت الهاتف ثانية ، لكنها كتبت له (أحبك..)..
وضع كل منهما رأسه على المخدة، ابتسما من غير تواطؤ..وأغمضا عينيهما..
.
.
.
|