النفس الإنسانية السوية أيًا يكن دينها تُكبِر التحلي بالفضيلة ونبذ الرذيلة أيًا يكن دين هذه النفس وملتها..فتتحلي بخلق الأمانة والوفاء بالوعد والصدق وغيرها من الأخلاق ، وفي المقابل تمقت الرذيلة فتبتعد مثلا عن الكذب والغدر والخيانة وإخلاف الوعد..مهما اضطرت هذه النفس لأن تسلك سبيل الرذيلة فتكذب أو تنافق أو تخون أو تداهن وتتملق..الخ، وهذا هو"أدب النفس" الذي هو حتمٌ لازمٌ وجوده وتوفره لدى النفس السوية مهما اختلفت الأديان وتباينت الملل. ويؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله" خِيارُكم في الجاهليةِ خيارُكم في الإسلام" وكأني فهمتُ منه أن من أهل الجاهلية والمشركين من هم متحلون بالفضائل متوارون عن مواطن الشبه ومظانِّ الريبة، فكانوا خير قومهم وصفوتهم، ولذا كان يدعو النبيُ صلى الله عليه وسلم اللهَ عزو وجل أن يهدي بعضهم للإسلام فيقوى بهم بعد الله، ولأن الإسلام يزيدهم خلقًا وفضيلةً على ماهم عليه..وحين تتزواج فضيلة"أدب النفس" المزروعةِ في النفس السوية مع دينٍ يهذبها ويزكيها فإنها ولاشك سترقى وتسمو وتتدرج في مدارج الكمال البشري حتى تصل الغاية التي ليس بعدها غاية. وحين يفتقد الإنسان-بعد دخوله دين الله- لفضيلة أدب النفس فيمارس ما تأنف منه الطباع السوية فإنه على الأقل سيجد في الشريعة الإلهية من أوامرها ونواهيها ما يحل محل"أدب النفس" المفقود، فيتجنب الرذائل ويتحلى بالفضائل وهو خائفٌ راجٍ طامع، فيجد من العنت والمشقة في طريقه الشيء الكثير، فالتعب لا ينفك عنه ، والسآمة لا تفارقه..وماذاك إلا لأنه فاقدٌ لفضيلةِ"أدب النفس". على أن تقصير النفس المتحلية بأدب الفضيلة جزئيًا عن تطبيق أوامر الرب عزوجل والانتهاء عن نواهيه يختلف في ذات الأمر عن نفس ينعدم لديها خلق" أدب النفس"، فالمتحلية بأدب النفس وإن ابتعدت إلا أنها لا تلبث أن تدرك خطأها وزللها فتعود لابتاع شريعة الرب عزوجل، لأنها تجد ملاذها فيها، وموافقتها لهذه الفضيلةِ الكائنةِ في هذه النفس، فيما فاقد خلق"أدب النفس" في محاولته للعودة لجادة الصواب ، والعيش على النهج الصحيح يجد من الجهد والتعب النفسي في طريقه ما لا يُحتمل، فكأن بقائه في أوحال الرذيلةِ الأليق بنفسه.