(الجزء الثاني)
والكتاب في مجمله هو مذكرات كتبتها (فلتراود هاينريتش شبالت)، التي عُرفت فيما بعد باسم (فلتراود بيتون)، أرملة (جاك بيتون)، وهو ذلك الاسم، الذي عُرف به (رفعت الجمَّال)، منذ تحوَّل إلى هوية يهودية، والذي حمله في (إسرائيل)، وفي (ألمانيا) رسمياً، حتى لحظة وفاته..
وينقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول، يتحدَّث الفصل الأوَّل منها عن حياة (فلتراود) مع (جاك بيتون)، ولقائها به، والكثير من التفاصيل عن شخصيته، حسبما خبرتها وعرفتها شخصياً، طوال فترة زواجهما..
وهذا الفصل يبدو أشبه بقصة رومانسية، ومناجاة لحبيب رحل، بأكثر مما يرتبط بعالم المخابرات والجاسوسية، كما قد ترغب في قراءته إذا ما ابتعت الكتاب لهذا الهدف بالتحديد،
ولكن، وعلى الرغم من هذا، فالفصل الأوَّل يمنحك الكثير من المعلومات الهامة، واللمحات شديدة الخطورة، بشأن شخصية (جاك بيتون)، وتغلغله القوى، في قلب المجتمع الإسرائيلى، وبالذات ذلك الجزء الذي تقول فيه (فلتراود) في مذكراتها الشخصية:
"قضيت أياماً أضفي "لمسة المرأة" على الشقة، وذات يوم، وأنا عاكفة على تنظيف المسكن دق جرس المنزل، وعندما فتحت الباب، لم أر للوهلة الأولى سوى باقة كبيرة من الأزهار، وما إن انخفضت الباقة قليلاً، حتى طالعتني أعرض ابتسامة عرفتها..
رأيت رجلاً واقفاً أمامى، وعلى إحدى عينيه عصابة من القماش الأسود، قدَّم إليَّ باقة الورد، قائلاً :
- أردت فقط أن أشاهد الغلطة، التي ارتكبها جاك بيتون.
ثم انصرف لا يلوي على شئ. أدركت أنه موشي ديان، وعرفت بعد ذلك أنه أقرب أصدقاء جاك.."
وفقاً لرواية (فلتراود)، كانت توجد إذن صداقة قوية بين وزير الدفاع الإسرائيلي السابق شخصياً، وبين (جاك بيتون)، الجاسوس المصري، الذي زرعته المخابرات العامة، في قلب (إسرائيل)..
فياللخطورة!..
ويا للقوة!..
ولم تكتف (فلتراود) بهذا القدر في روايتها، وإنما تقول في موضع آخر:
"كان أقرب الأصدقاء لنا هم موشي ديان، وجولدا مائير، وبن جوريون، وعزرا وايزمان، وكان جاك وموشي وعزرا أشبه بالفرسان الثلاثة، وكانوا عندما يجتمعون معاً، نادراً ما يعكر صفوهم أي شئ، كانت حياتهم معاً مزاحاً في مزاح، أما جولدا مائير وبن جوريون فكانا بمثابة الأبوين بالنسبة له. لقد تقبَّلاني برضاً وترحاب وأبْدَيَا عطفاً كبيراً نحوي، وكثيراً ما كانت جولدا مائير تسألني عما إذا كان جاك يحسن معاملتي أم لا..؟"
إذن فالجاسوس المصري، حسبما تذكر (فلتراود)، كان صديقاً لأكبر ثلاثة أسماء في (إسرائيل) كلها، في ذلك الحين!!..
هل يمكنك أن تدرك ما الذي يمكن أن يعنيه هذا، وأي نجاح ذلك، الذي حققه رجلنا في (تل أبيب)؟!!..
وبغض النظر عن تلك الوقفات المثيرة للدهشة والتساؤل، فهذا الفصل من الكتاب يمضي مع ذكريات (فلتراود) حتى لحظة وفاة زوجها (جاك بيتون)، في الثلاثين من يناير 1982م، في (دارمشتاد) في (ألمانيا)..
وبعد عدة صفحات، تحوي مجموعة من الصور الهامة لمراحل حياة (جاك بيتون)، ينتقل بنا الكتاب إلى الجزء الثاني والخطير، والأكثر أهمية في الكتاب كله..
إلى قصة حياة (رفعت الجمَّال)، كما رواها هو…
شخصياً..
وهذا الجزء هو الترجمة الحرفية لعدد كبير من الصفحات، التي كتبها (جاك بيتون) بخط يده، باللغة الإنجليزية وتركها لدى محاميه؛ ليسلّمها إلى زوجته (فلتراود)، بعد فترة حدَّدها بثلاث سنوات من وفاته، باعتبار أنها ستكون فترة كافية لتستعيد تماسكها، واستعادة قوتها، بحيث يمكنها تحمُّل الصدمة التي ستشعر بها، عند قراءتها مذكراته الخاصة، كما يقول بنص كلماته، في مقدِّمة المذكرات
ويبدأ (رفعت في رواية قصة حياته، منذ مولده، في مدينة (دمياط)، في الأوَّل من يوليو 1927م، لأب ( علي سليمان الجمّال)، تاجر فحم بالجملة، وأم (رتيبة علي أبو عوض)، من أسرة راقية، تتحدَّث الإنجليزية والفرنسية، اللتين تعلمتهما في إحدى المدارس الخاصة..