شجرة التوت ؟!
كانت الحياة فيما أذكر هادئة وادعة ، وكانت النفوس رغم ظلمها في كثير من الأحيان بريئة وطفولية.
بيت جدتي كما هو ، لم يتغير منه شيء ، سوى شجرة توتٍ تكبر مع الأيام .. تقول جدتي أن هذه الشجرة تمثلها
فمن أحبها بالضرورة يحب الشجرة ! كلما زرتها وجدتها سامقة في فناء منزلها .
قالت لي يوماً وهي تدفن رأسي في حضنها الهزيل الدافئ :
- عليك بصحبة كبار السن ، عليك دائماً أن تجدي فيهم رفقة ومرجعا ، إياك والظن أن هذه الكتب التي تقلبينها ستعلمك شيئاً
ما هي سوى كلامٍ يردده الثرثارون !
إنك لن تأخذي الحقيقة إلا منا نحن ، كبار السن ، الذين يمل مجلسهم الشباب !
سحبت يدها عن كتفي وقبلتها ، ثم سألتها مبتسمة بمكر :
- وماذا إن لم أجد يا جدتي الحنون ؟
فمدت بثقة نظرة حادة إلى شجرة التوت وأجابتني بعزمٍ أخجلني :
- حينها ( و مدت سبابتها نحو التوت ) انظري إلى تلك الشجرة
إن لم تجدي كبير سنٍ تأوي إليه ، فعليك بشجرة ! ابحثي عن أكبر شجرة ، واسندي ظهرك إليها
ستجدينها تلهمك أسرار الحياة كلها ، ستذرف لأجلك الدموع ، ستلفك بحضن محب ، و نصيحة صادقة
كما أنها ستوفر عليك عناء التجربة ، لا تظني يوماً يا ابنتي أنها جماد هامد
إنها تمثلني ، عودي إليها كلما احتجتِ إليّ ولم تجديني.
نظرتُ إلى وجهها المجعد ، المضيء تلف رأسها بوشاح وتربط فوقها عصابة من وشاح آخر يختلف في لونه و حجمه
وعيناها الصغيرتان الذابلتان تلمعان حياةً و يقينا ، ظهرها المحدودب ، أتابع حركتها وهي تصلي في خشوع ، نشاطٍ ، ورغبة
تبعث الهيبة والوقار.
أطال الله عمرك يا جدتي الحنون

|