هذا بحث يُلقَى إن شاء الله في ملتقى ( الشباب.. الهوية الثقافية.. ومتغيرات العصر ) المُنعَقِد بمدارس المجد الأهلية للبنين، أسأل الله أن ينفع به، وقد وقع الاختيار على محورِه (هوية الشباب بين التأثر والتأثير) ، وستتم إن شاء الله مناقشة العناصر التالية:
* الواقع الذي يعيشه الشباب
* قدرة الشباب على مواجهة الأفكار المنحرفة
* انسياق الشباب خلف المغريات
* انبهار الشباب بأنماط وسلوك المجتمعات الأخرى
وباللهِ التَّوفيق.
مُهَنَّد عَادِل نَجَّار
m
الشَّبابُ هم قوَّةُ المجتمع، ونشاطِه، وهمَّتِه، وعزيمتِه، ويدِه التِي يبطشُ بها، بِهِم يُقَاسُ حالُ المجتمع ويُوزَن، فصلاحهم صلاحه، وفسادهم فساده.
وما لهذه المكانة للشَّباب مِنْ خفاء ليُطلَبُ منِّي إثباتُها، فإنَّها كالشَّمس في رائعة النَّهار، ونظرًا لما للشَّباب مِنْ مكانة، فكان البحثُ في الشَّباب بما لعلَّه يخدم إيجابًا مطلوب ندبًا، وكل ما يكون سبيلاً للإصلاح مطلوبٌ كذلك.
وهذه الوريقات ليست بـ(البحث) الكفيلُ بالتَّصويبِ والتَّقويمِ المقبول عند النّاس كافَّة، وإنَّما هي (نظرات) و(أفكار) تدور في خاطري، ما كان منها صواب فمن الله، وما كان منها خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، وإلاَّ فأمرٌ كهذا، ما ينبغي إلاَّ أن يُطرَح مناقشةً بين أهل العلم، من علماء الشّريعة، والاجتماع، والنَّفس، وغيرهم من ذوي التَّخصُّص، و{اسْألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} .
واللهَ نسألُ أن يلهمنا الصَّواب، ويُكرِمنا بجزيل هباتِه، ومِنَ الله التَّوفيق. وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على سيّدنا ومولانا وقدوتنا وأسوتنا رسول الله وعلى آله وصحبه، ومَنْ سَلَكَ دَربِه إلى يوم الدِّين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
المقدمة الأولى: في مصطلح (الشَّباب)
أمَّا من حيث اللّغة: فقد قال صاحب "لسان العرب" :
(( الشباب: الفتاء والحداثة، شبّ يشبّ شبابا وشبيبة...
والاسم الشبيبة: وهو خلاف الشيب.
والشباب: جمع شاب، وكذلك الشبان. )) اهـ.
أمَّا من حيث الاصطلاح: فغالبًا يُطلَق على الفئة العمريّة (15-29) ، ويعدُّ بعضهم ما بين (15-19) فترة المراهقة، و(20-29) فترة الشّباب.
المقدمة الثانية:
في خصائص ومميّزات (الشَّباب) الإيجابيّة والسّلبيّة
يأتي هنا البحث في خصائص ومميّزات (الشَّباب)، الإيجابيّة؛ والمقصود بها: ما يعود على الشّاب بصفة الكمال، والسَّلبيّة؛ والمقصود بها: ما يعود على الشّاب بصفة النّقص.
ونبدأ في (الإيجابيّة منها) فمِنْ ذَلِك:
* القوة والنشاط *
* بُعدُ الهمَّة *
* قوَّة العزيمة *
* آمال حادَّة وحارة *
* بُعد وعُمق غور التصورات *
* * * *
الشُّروع في البحث
وبعد توضيح ما تقدَّم، ممّا استحسنت أن يكون القارئ على بيّنةٍ منه ومُلاَحَظَة، وقد آن الأوان في الشُّروع في مناقشة العناصر الَّتي تقدَّم ذكرها، ومِنَ الله التَّوفيق والعون.
المبحث الأوَّل:
الواقع الذي يعيشه الشباب
المتأمِّل في حال الشَّباب اليوم، يَجِدُ في نفسِه حيرةً كبيرة:
- بين شبابٍ قد نبغوا في العلومِ نبوغ العلماء، على الجادَّةِ يسيرون، وإلى سبيل الصِّراط يدعون..
- وبين شبابٍ قد أخذت بهم المذاهب يمنة ويسرى، حيث نزلت إلى الحضيض الأسفل فثمَّ هم، وحيث نالت من المجدِ علياؤه فثمَّ هم..
- وبين شبابٍ ترعرعوا في ظلماتِ الجهل؛ والضلالة؛ والخزي والهوان؛ فلا قناعة عندهم بما هم فيه؛ ولا العلياء يطلبون..
- وبين شبابٍ مُتَحطِّمُ العاطفة، مُنكَسِرُ القلبِ، ظنَّ أنَّ سبيل سعادته؛ أن لا يفتأ مُلَبِّيًا لما تمليه عليه نفسه، فطمع في غير مطمع، واستسمن ذا ورم..
- وبين شبابٍ قد سَلَكَ في السُّبُلِ سبيل الغواية، قانعًا بها، مريدًا لها، مِحجاجًا عنها، داعيًا إليها، وهؤلاء قلَّة؛ والحمدُ للهِ..
هذا نَزرٌ مما وُجِدَ في شباب اليوم، وملاحظته لا تخفى، وهذا ممَّا هو بصفة عامَّة في شؤون عامّة، أمَّا ما يتعلَّق بموضوعِ بحثنا، فأقول:
[ الحصيلة الثقافية لدى أغلب الشّباب ]
إنَّ الجهود التي يبذلها الخبراء في التّربية والتَّعليم، والتّثقيف والإرشاد، لا بدَّ لنا إلاَّ أن نَقِفَ إجلالاً وإكبارًا لها.
وقد يستغربُ البعض من قولي إذ أقول: أنَّ للشّباب في مجتمعاتنا من الحصيلة الثّقافيّة الكثير والكثير، وهذا أمرٌ قد وجدته حتّى في أراذل الشّباب الذين يظنُّ الناس بهم الظُّنون.
أَعرِفُ في هذه البلاد، شباب، قد غاصوا وغرقوا في غمار المعاصي والانحراف إلى ما يعفّ اللّسان عن ذكرِه، وهُم مع هذا، قد وجدت عندهم من الحصيلةِ الثّقافيّة ما حيَّرني، ولا أحصر نوع الثّقافة في نوعٍ معيّن قد يحصل اتّفاقًا مثل استهواء الشّاب له وميلُه إليه، بل مختلف أنواع الثّقافة.
وما وجدت هذا في واحدٍ، أو اثنين، حتَّى يُقال بأنَّها حالات فرديّة لا يجوز تعميمها، فلعمري وجدتها في كثيرٍ منهم، وما تصوَّرتُ قبل ذاك أن يكون واحد منهم كذلك. هدانا الله وإيَّاهم.
وهذا مُؤشِّر: يبشّر وينذر، أمّا البشارة فيه فالعلم محمودٌ لذاته؛ والمتّصف به كان العلم فيه أحسن صفاته، فهذا مؤشّر البشارة.
وأمّا مؤشّر الإنذار، فهو ما تجده من (التّناقض) بين وجود هذا الرّصيد الثّقافي لدى هؤلاء الشّباب، على حين أخذ الدُّنيا لهم شتّى المذاهب، وموطن الإنذار في هذا؛ ألّو ولَّدَ هذا (الرّصيدُ الثّقافي) عندهم (قناعةً ذاتيةً) بما يفعلون، فبعد أن كان الأمر مجرّد استهواء يفعله الشّاب وهو عالمٌ بخطئه؛ مُعَاتِبٌ لنفسه، صار يفعله بقناعةٍ تامّةٍ؛ يدعو إليه؛ معتقدًا فيه الصّواب.
فهنا مكمن (الانحراف الفكري) الذي يُخشَى على الشّباب، فـ(ثقافةٌ) مُعوَجَّةٌ، مع (هوًى) مُتَّبع، قد تولّد فكرًا منحرفًا مختلّ المفاهيم والقِيَم. سلَّمنا الله وإيّاهم.
المبحث الثَّانِي:
قدرة الشباب على مواجهة الأفكار المنحرفة
.....
المبحث الثَّالِث:
انسياق الشباب خلف المغريات
.....
المبحث الرّابع:
انبهار الشباب بأنماط وسلوك المجتمعات الأخرى
.....
_________________________
وانتهينا