عرض مشاركة واحدة
منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز
قديم 05-11-2003, 08:31 AM   #3

الريادة

مشرف سابق

الصورة الرمزية الريادة

 
تاريخ التسجيل: Oct 2003
التخصص: ادارة واقتصاد/ محاسبة
المشاركات: 225
افتراضي

خامساً: ترجم القرآن الكريم في هذه المرحله إلى أكثر من لغه أوربيه، و كانت أول ترجمه له قد أنجزت في دير كلوني تحت اشراف بطرس، الذي سبقت الإشاره إليه، فقد جند هذا الراهب المتعصب بعض من يجيدون اللغه العربيه من القساوسه و غيرهم لترجمه القرآن، و بعض الكتب التي ذكرتها آنفاً، ليتخذ من ذلك سلاحاً للهجوم على الإسلام، و الاستهانه به، حتى يستطيع أن يبشر بالمسيحيه بين المسلمين.

و كانت هذه الترجمه هي الأولى للقرآن الكريم إلى اللغه اللاتينيه، و لم تكن ترجمه بالمعنى العلمي، فقد سيطرت على من قام بها روح العداء و السخريه و الحقد و الكراهيه، و من ثم جاءت مجافيه لمقصود القرآن الكريم، و مشحونه بالأباطيل و الأكاذيب، و يكفي داله على هذا أن من قام بها و صف عمله بأنه تعريه لمبادىء الإسلام للضوء، بعد ما سمح الدارسون في الكنيسه لهذا الكفر أن يتسع و يتضخم، و ينتشر لمده تجاوزت خمسه قرون، و أنه بذلك قشع الدخان الذي أطلقه محمد (ص). ثم يخاطب قارئه قائلاً: لعلك تطفئه بنفخاتك9.

ما الذي يتوقع من مترجم لكتاب ينظر إليه هذه النظره السوداء؟ لا مراء في أنه سيتعامل معه من منطلق التصرف في أصله، و التحريف في مضمونه و التشويه لحقائقه، و الإضافه الفاسده إليه ]يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواهم و الله متم نوره و لوكره الكافرون[10.

و ظلت هذه الترجمه مخطوطه نحو أربعه قرون، ثم طبعت في مدينه بازل، و ظهرت في يناير – كانون الثاني، سنه 1543 م، و كانت هذه الطبعه هي البدايه لسيل من الترجمات باللغات الأوربيه أخذت في الظهور منذ ذلك التاريخ حتى بلغت اللغات التي ترجم اليها القرآن الكريم ترجمه كامله إحدى و عشرين لغه أوربيه، و لكن كل هذه الترجمات كانت محرفه مشوهه لاتعرف الأمانه العلميه، فقد كان كل من يترجم الكتاب العزيز من الأوربيين يشفع ترجمته بمقدمات و تذييلات و بعض الحواشي في دحض هذا الكتاب، و ذلك من قبيل الإعلان عن حسن إيمانه و صحه عقيدته، حتى يمكن أن تنشر ترجمته و ترضى الكنيسه عنه.

و في القرن السادس عشر تجرأ بعض الأوربيين فنشر طبعه القرآن الكريم في نصها العربي، و قد انزعج البابا في روما كل الانزعاج من هذا، و أمر بجمع النسخ المطبوعه كلها و حرقها، و أقام لذلك احتفالاً دينياً شهده شخصياً، ليظهر للعالم المسيحي استنكاره البابوي.

و لم يكن انزعاج البابا من طبع القرآن الكريم بنصه العربي المنزل إلا خوفاً من اطلاع المسيحيين على ما جاء به هذا الكتاب العزيز من تعاليم و آداب تفضح المواقف الحاقده، و الأباطيل التي كان يرددها المستشرقون – تحت رعايه الكنيسه – عن الإسلام و نبيه.

سادساً: اتسعت دائره الاستشراق، و أقبلت كل دول أوربا على الدراسات الشرقيه، و أنشئت في بعض الجامعات كراسٍ للتخصص في هذه الدراسات، و كان هذا التسابق في دراسه الشرق، و تراثه الإسلامي بوجه خاص، يسعى نحو غايه واحده، و هي التمهيد للانقضاض على الشرق مره أخرى، و قد بدأت بريطانيا في تحقيق هذه الغايه بإنشاء بعض الشركات التي كانت نواه الاحتلال الانجليزي للهند.

سابعاً: و مع كثره نقل التراث الإسلامي المخطوط الى أوربا و دراسته و ترجمه بعضه، و طبع قدر منه بالعربيه، و مع احتكاك العالم الأوربي بالمسلمين في الأندلس و جزر البحر المتوسط، و في فتره الاستيطان الصليبي بالشام – مع هذا كله لم تتغير صوره الإسلام و المسلمين في أذهان الأوربيين، و ذلك لأن تعامل هؤلاء مع التراث الإسلامي و المسلمين بوجه عام لم يتجه نحو البحث عن الصوره الصحيحه للإسلام، و إنما اتجه نحو الانتفاع بما حققه المسلمون في مجال العلوم الطبيعيه و ما إليها من ابتكارات، إنهم لم يهتموا بالوقوف على مفاهيم الإسلام الصحيحه، بل إنهم كانوا يقفون من هذه المفاهيم موقف المتعصب لما يؤمن به و الذي يرى في عقائد الآخرين – دون فهمها أو دراستها – ضلالاً مبيناً، لأن جهد الكنيسه في تشويه الإسلام، بالإضافه إلى الأساطير الشعبيه التي نسجت خيوطها الأوهام و الأحقاد حالت دون النظر إلى الإسلام و المسلمين بمنهج علمي موضوعي، و جعلت الأوربيين لايرون في الإسلام إلا دينا فاسداً، و في المسلمين إلا أمه همجيه كافره لاتحسن غير التدمير و التخريب. و لذلك كان كل ما كتب عن الإسلام و المسلمين يمثل السطحيه و الكراهيه لهذا الدين، و الخوف من قوته و سطوته، و من هنا امتلأت كل المؤلفات الأوربيه في المراحل الثانيه من مراحل الاستشراق بالسخافات و الجهالات و الضلالات11. و التقت كلها على أن نقطه البدايه في حرب الإسلام، و تنفير المسيحيين و المسلمين منه على السواء، هي القرآن الكريم، و كان هذا مرد الاقبال على ترجمته ترجمه محرفه مشوهه ينكرها الأصل العربي كل الإنكار، لتكون ذريعه لاصدار الآراء المضلله عنه.

ثامناً: و إذا كان ذلك السلوك المعادي للإسلام موجهاً للأوربيين و المسلمين، و خاصه الذين كانوا في بعض بلدان أوربا، كاهل الأندلس و صقليه، فان الحقيقه التاريخيه هي أن الحرب الفكريه ضد الإسلام بدأت اولاً في الشرق، فقد أخذ المسيحيون في البلاد التي فتحها المسلمون، كسوريا و العراق، يثيرون قضايا جدليه و نقديه يريدون من ورائها الطعن في تعاليم الإسلام، و أنها لست جديره بالاتباع، و قد ساعدهم على نشر ما يريدون أمران:

الأول: تظاهر بعضهم بالإسلام.

الثاني: ما تمتعوا به في الحكم الإسلامي من الحريه العلميه.

و يرجع كل ما عرفته حلقات الدرس، و مجالس العلم في الحواضر الإسلاميه من مجادلات عقيمه حول كثير من القضايا الكلاميه و غيرها إلى ما قام به هؤلاء من إثاره الشبهات حول العقيده الإسلاميه، و الآيات المتشابهات، و منزله السنه من القرآن … إلخ.

و كان يوحنا الدمشقي، الذي عاش في كنف البلاط الأموي متمتعاً بالأمن و الحريه، أول من بدأ تلك الحرب الفكريه ضد الإسلام، و كان أول من أثار قضايا تبناها الفكر الاستشراقي بعد ذلك، فهو الذي ابتدع أن الرسول (ص) كان يستعين براهب مسيحي آبق في نقل ديانته عن العهدين القديم و الجديد، و أن الوحي القرآني كان يصاغ على وفق رغبات الرسول الجنسيه، و يشير بهذا إلي زواج الرسول بزينب بنت جحش.

و قد تلقف مثل هذه الآراء الباطله، المسيحيون من أهل الأندلس و أضافوا إليها ما نشرته الكنيسه من افتراءات و خزعبلات، ثم ترجموها إلى اللاتينيه و كانت منطلق الهجوم الآثم ضد الإسلام.

و لم يقف علماء المسلمين أمام ما يذيعه هؤلاء الأفاكون من أباطيل موقفاً سلبياً، و إنما جادلوهم مجادله علميه، و بينوا لهم زيف ما يقولون و يعتقدون، و كشفوا لهم عن الحقائق الناصعه التي لايسع العاقل إلا التصديق بها و الدفاع عنها، و من هذا ما كتبه أبو الوليد الباجي (ت: 474هـ) في الرد على أكاذيب أحد الرهبان الفرنسيين، و من قبل الباجي كتب الإمام ابن حزم (ت: 456هـ) كتابه «الفصل في الملل و النحل» تناول فيه الأناجيل و العقائد المسيحيه بمنهج عقلي منطقي لامجال فيه للتجني أو الانفعال العاطفي، و لذلك حرمت الكنيسه التراث العلمي لهذا الإمام، لكي تظل الخرافات و المتناقضات حول المسيح (ع) راسخه في أذهان و مشاعر المسيحيين، فلاتزعزعها أمثال هذه الدراسات العلميه و الموضوعيه12.

و في نحو منتصف القرن السادس الهجري نشر راهب اسباني رساله حمل فيها على الدين الإسلامي، و دعا المسلمين إلى الإيمان بالمسيح، و أفاض هذا الراهب في تمجيد عيسى (ع)، و بيان منزلته، و قد تصدى للرد على تلك الرساله التبشيريه أحمد بن عبد الصمد الخزرجي (ت: 582هـ) في كتابه «مقامع الصلبان» و فند المزاعم التي تضمنتها هذه الرساله، و اعتمد في ذلك على الأناجيل، و لكنه في بعض الأحيان كان يستعمل ألفاظاً قاسيه، و يبدو أن روح التعصب التي كتب بها ذلك الراهب رسالته، هي التي سَوَّغت للخزرجي أن يرد أحياناً بأسلوب عنيف13.

و ظهرت بعد الخزرجي مؤلفات لابن سبعين (ت: 669هـ) و القرطبي (ت: 671هـ) في الموضوع نفسه، و كتب فيه الإمام ابن تيميه (ت: 728هـ) موسوعته: «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح».

و يعد كتاب «إظهار الحق» للعلامه الشيخ رحمه الله بن خليل الرحمن العثماني (ت: 1308هـ) و هو هندي الأصل، و قد هاجر إلى مكه بعد أن قرر الانجليز إعدامه لشجاعته في الحق، و قوه عاضته في الدفاع عن الإسلام، و الهجوم على الملل الباطله – يعد هذا الكتاب من أهم الكتب التي ظهرت في العصر الحديث حول الصراع الفكري بين الإسلام و القوى المضاده، و يكفي دلاله على أهميته و قيمته ما كتبت صحيفه بريطانيه عنه: «لو دام الناس يقرأون هذا الكتاب لوقف تقدم المسيحيه في العالم».

و مازال هذا الصراع قائماً، و سيظل إلى أن يرث الله الأرض و من عليها.

تاسعاً: و عرفت المرحله الثانيه للاستشراق بدايه التحالف الظالم بين اليهود و النصارى للقضاء على الإسلام و المسلمين، ففي عام: 1505 م كتب أحد اليهود مشروعاً لذلك التحالف و قدمه إلى البابا؟ و ضمنه النقاط التاليه:

1. احتلال العالم الإسلامي.

2. انتزاع الأرض المقدسه من المسلمين.

3. احتلال اليهود فلسطين14.

و لهذا دخل اليهود ميدان الاستشراق، و قدموا إلى الدول الأوربيه المسيحيه كل ما عرفوه من المسلمين من المسلمين من مواطن الضعف و القوه، و من ثَمَّ كانوا عوناً لهذه الدول على احتلال الشعوب الإسلاميه و تحقيق الحلم الصهيوني باغتصاب فلسطين، كما أنهم فاقوا المستشرقين المسيحيين في إذاعه الافتراءات حول الفكر الإسلامي.

عاشراً: و كان لكل ما أسلفته من خصائص هذه المرحله في تاريخ الاستشراق أثر بالغ في تعميق الهوه بين الأوربيين و الإسلام، لقد كانت مؤلفات المستشرقين و ترجماتهم للقرآن الكريم، و ما روجته الكنيسه من أساطير و أباطيل، المرآه التي تعكس صوره هذا الدين، و هي بلا جدال صوره منفره مخيفه فهي لاتحكي غير الهرطقه15 و الوحشيه و السلب و النهب، و لذا اشتد الخوف من الإسلام و الكراهيه له، و تواطأ الجميع على مناهضته، و اغتصاب أرضه، و إذلال المؤمنين به، و توارثوا هذا جيلاً بعد جيل حتى الآن.
------------------------------------------------------------------------------------------------------
* يتبع.........

 

توقيع الريادة  

 

 

الريادة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس