أدبُ الابتِهاَلِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ ! |
« أدبُ الابتهالِ » بهذاَ العنوانِ كتبَ الأديبُ المصريُّ الأستاذ أحمد أمين المتوفى 1380هـ -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- مقالَةً منشورَة ضمنَ كتابِه « فيضُ الخاطِرِ » ، يقولُ فيها:
(( هذا نوعٌ من الأدبِ راقٍ جداً في الأدب العربي ، ولكن لم يلتفت إليهِ مؤرخو الأدَبِ ، أحببتُ عرضَ نماذجَ منه لنتبيَّنَ قوته وروحانيَّتِه وبلاغتِه.
والابتهالُ في اللغةِ: التضرُّع ، والاجتهادُ في الدعاءِ، والإخلاصُ للهِ فيهِ ؛ ومن ثمَّ استمدَّ روحانيَّته وقوته من موقفِ المتبهلِ حيثُ يتحررُ من شؤونِ الحياة الدنيا وأعراضها ومشاكلها ومشاغلها ، ويتفرغُ إلى ربهِ ، ويناجيهِ ، ويسمو عن المادة وحقارتِها ؛ فكان بذلكَ أدبَ روحٍ لا أدبَ مادَّة ! ))
ويقولُ بعدَ أن نقلَ بعضَ النثرياتِ من هذا الأدب:
(( هذا قليلٌ من كثيرٍ مما في الأدب العربي من هذا الباب ، وهي كما ترى تتدفقُ قوةً وتفيضُ روحانيَّة وتسمو معنى ، إلى رصانةٍ بلاغيَّةٍ ، وموسيقى دينيَّةٍ. فلو عَنِيَ بها مؤرخو الأدبِ كما عنوا بالأدبِ الماديِّ من الغزلِ، والمديحِ، والفخرِ، والهجاءِ، لظهرَ الأدبُ العربيُّ بصورتِه الكامِلَةِ من مادَّةٍ وعقلٍ، وشهوةٍ وروحٍ ! )) انتهى.
انظر: فيضُ الخاطِر، للأستاذ أحمد أمين، جزء:4 ، صفحة: 191، طبعة: المكتبة العصرية.
ويقولُ الأستاذُ الأديبُ الداعيةُ أبو الحسَن الندوي المتوفى 1420هـ -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- في كتابهِ « نظراتٌ في الأدَبِ » (ص44) الصَّادِرِ عن رابطَةِ الأدبِ الإسلاميِّ العالميَّة:
(( إنَّ مِنْ أهَمِّ عناصرَ الأدَبِ: الإخلاصُ والصِّدْقُ ، وهما اللذانِ ظَلَّ يتغافَلُ عنهُماَ مُعْظَمُ نُقَّادِ الأدَبِ ، واللذانِ يهبانِ الأدبَ روحاً وقوةً وحيويةً ، ويجعلانَه حقيقةً أبديَّة خالدة ، وقدْ اتَّسَمَ الدعاءُ والمناجاةُ بهذينِ العُنصُرَينِ ما لمْ يتَّسِم -ولا يمكنُ أن يتَّسِمَ - بهِ أيُّ نوعٍ من أنواعِ الأدَبِ ، فكيفَ إذاَ كانَ الداعيَ والمناجيَ رقيقَ القلبِ وجريحَ الكَبد ولهُ كلَّ نصيبِه من القُدْرَةِ على التعبيرِ عن أمَلِه بأنواعِ الأساليبِ ..؟
إنَّ الكلماتَ الصادِرَةُ عَن لسانِه ستكونُ - ولا شَكَّ - مُعجِزَةٌ منَ الأدَبِ ، لأنهاَ أفلاذُ كَبِدِه ، وقِطَعُ قلبِه ، ودموعُ عينَيْهِ. وسوفَ تملِكُ القلوبَ ، وتُبكيَ آلافَ البشَرِ قروناً طوالاً .
أما إذا كانَت هذهِ الكلماتُ قد جرَت على لسانٍ تكرَّرَ عليهِ الوحيُ الإلهِيُّ(1) ، وامتلَكَ ناصِيَةَ البلاَغَةِ وعنانَ الفصاحَةِ ، فلا تسألْ عن تأثيرِها وإعجازِهاَ ! )) اهـ.
ويقول الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي في كتابه: « الأدب في التراثِ الصوفيُّ » (ص107) :
(( وأدبُ الدعاءِ موجهٌ إلى المولى عز وجلَّ ، وهو أدبٌ صادقٌ حادُّ العاطِفَةِ ، قويُّ الإحساسِ بالقدرةِ الإلهيَّةِ ، يفيضُ خشوعاً ورهبة وخوفاً من مقام الله العليِّ الأعلى ، وتجربتهُ تجربة عميقة مثيرة )) اهـ.
وقال أيضا يصفهُ (ص110) :
(( أدبٌ مشرقٌ بالحبِّ والروحِ والعاطِفةِ الصادقةِ والمشاعرِ النبيلةِ ، والأحاسيسِ الشريفةِ ، وهو أدبٌ يتجلَّى فيهِ روعَةُ الإيمانِ ، وصدقُ الشعورِ ، وإخلاصُ العقيدةِ ، والتنزيهُ للهِ والتفويضُ إليهِ ، والتسليمُ بقضائِه ، واللجوءُ إلى ساحاتِه القدسيَّةِ )) اهـ.
قلتُ : وكلُّ هذا في التعريف بـ « أدب الابتهالِ » ووصفه ، وفي موضعٍ آخر إن شاء الله أتكلمُ على اختياراتٍ وأمثلةٍ جميلةٍ من هذا اللونِ من ألوانِ الأدب !
______________________________
(1) عن تأثير الوحي الإلهي على اللسان والألفاظ ، من كلامِ الأديب المتفنِّن الأستاذ مصطفى صادق الرافعي المتوفى 1356هـ -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- في كتابهِ « إعجازُ القرآنِ وبلاغةُ السنَّةِ النبويَّةِ » في مقدِّمة كلامِه عن بلاغةِ السنة النبويَّة (ص205) :
(( ألفاظُ النبوَّةِ يعمرُها قلبٌ متصلٌ بجلالِ خالقِه ، ويصقِلُها لسانٌ نزل عليه القرآن بحقائقِه .. )) اهـ.