لو نعلم أن الغرب استطاع أن يجعل من الحب ذلك الحس الإنساني السامي ، صناعة مارقة أفسدت الحب والمحبين على مدار سنوات من العمل الشاق ، وإنفاق المليارات على صناعة السينما والغناء ، لبكينا على حالنا يوم أن علمناه الحب الصحيح الذي استقاه من كتاب " الزهرة " ، أو من كتاب " طوق الحمامة " عندما كنا سادة الأمم في كل شيء ، حتى في الحب ، واحسرتاه ..
أعرض هذا الموضوع سريعا ، لأنها فكرة في خواطري ، ولم تتبلور بعد التبلور النهائي ، فهي فكرة لها مبرراتها ، ولكن لفساد معناها في أذهاننا _ بفعل المؤثرات الغربية – فإن صياغة نظرية جديدة معاصرة لها ليس بالأمر الهين .
أول ما نأخذ رأيه في هذا الموضوع ، هو رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، حيث عرضت عليه مسألة مشهورة و شبيهة بما نقابله اليوم ، فقال : " لم أر للمتحابين مثل الزواج " ، والحديث ذكر أطلق صفة " المتحابين " على رجل وامرأة غير متزوجين أصلا ، وهذا دليل – من وجهة نظري – على أن هناك حب قبيل الزواج كما أنه هناك حب بعد الزواج ، فمن ذا الذي يري بعد رسول الله أو يعدل على رؤيته .
ولكن لم يكتف رسول الله بإبداء رأيه ، ولكنه عندما رأى الصحابي مغيث ، وهو يسير خلف الصحابية بريرة ، في الطرقات يسكب عليها الدموع بعد أن طلقها وهو كاره ، ثم لم يطق بعدها ، لم ينهره لأنه يتعقب امرأة لا تحل له شرعا ، وإنما ذهب إلى بريرة وطلب منها أن ترجع إليها ، فقالت : أتمرني ، فقال لها النبي "إنما أنا شافع" ، يا سبحان الله ، يا له من شرف للعشاق أن يشفع لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، في حبهم ، فهل تصل هذه الشفاعة إلى آذان أوليائنا ، وفي تعليق ابن حجر العسقلاني على الحديث يقول ، وفي ترك النكير عليه – نكير رسول الله على مغيث – بيان جواز قبول عذر من كان في مثل حالته ، ممن يُقنع منه ما لا يليق بمنصبه إذا وقع بغير اختياره "
وفي تعليق ابن القيم الجوزية على قصة نصر بن حجاج الذي نفاه عمر من المدينة لشدة جماله ، وحدث منه ما حدث بالبصرة يقول : " والمقصود أن الشفاعة للعشاق فيما يجوز من الوصال والتلاقي – الذي هو ما قبل الزواج الرسمي – سنة ماضية ، وسعي مشكور ".
هذا في زمن النبي فماذا عن خلفائه ماذا عن أبي بكر وعمر ، أبو بكر يجد جارية تبكي في خيمتها من فرط الوجد ، وتنشد أبياتا في حبيبها ، فدخل عليها ، كمن وجد جائعة بلا طعام ، أو عارية بلا كساء ، واستحلفها ، أن تخبره من حبيبها ، حتى يزوجها إياه ، وقد فعل ، هذا أبو بكر الرؤوف الرحيم ، فماذا عن عمر الجاف القيادي ، ماذا عنه ، حينما يسأله رجل : يا أمير المؤمنين ، إني رأيت امرأة فعشقتها ، فيقول عمر : ذلك مما لا يُملك .
ولكن الموقف الأبلغ منه رضي الله عنه ، عندما تذكر شيئا من شعر الجاهليين ، ومن أشعار عفراء وعروة ، رجع برأسه إلى الوراء ، تنهد وقال : " لو أدركت عفراء وعروة لجمعت بينهما " ، أن يتمنى أمير المؤمنين ذلك ، أكبر دليل أنه فرغ من الجمع بين الأحباء الأحياء ، حتى انتقل بأمانيه إلى الجمع بين الأحباء الذين ماتوا وولو ، أي فهم هذا ، وبأي وجه نقابل عمر يوم القيامة عندما يقول لنا ليتني عشت بينكم حتى ، أزوج فلانا من فلانة ، وفلانة من فلان .
ولكن ماذا عن التابعين ، ماذا عن سلف هذه الأمة ، سلف هذه الأمة كان ينشد من كان على رأسهم ( الحسن البصري ) قوله :
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى فأنت وعير في الفلاة سواء
وليس نظريا فقط ، ولكن عمليا عندما يأتي رجل لعلم من أعلامهم ( يحي بن معاذ ) يقول له إن ابنك عشق فلانة ، فيرد عليه " الحمد لله الذي صيره إلى طبع الآدمي "
والمطلوب – مؤقتا – بعد هذا العرض التاريخي لقضية الحب ، أن تكون في الوعي الجمعي للقائمين على أمر الزواج في المجتمع ، عنصر غير أساسي ، ولكنه إذا توافر ، تذلل من أجله عقبات كثيرة ، ومنها السن طبعا ، لأنها قد تكون بهذا العرض أشد خطرا ، إذا قدمنا عدم الارتباط لعدم وجود فارق سني ، على الارتباط لوجود جانب من الحب .