تابع حملة تعالوا نتدبر القران
[font="comic sans ms"]وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
أَيْ أَقْبَل عِبَادَة مَنْ عَبَدَنِي , فَالدُّعَاء بِمَعْنَى الْعِبَادَة , وَالْإِجَابَة بِمَعْنَى الْقَبُول . دَلِيله مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة قَالَ رَبّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) فَسُمِّيَ الدُّعَاء عِبَادَة , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّم دَاخِرِينَ " [ غَافِر : 60 ] أَيْ دُعَائِي , فَأَمَرَ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ وَخَصَّ عَلَيْهِ وَسَمَّاهُ عِبَادَة , وَوَعَدَ بِأَنْ يَسْتَجِيب لَهُمْ . رَوَى لَيْث عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب عَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( أُعْطِيَتْ أُمَّتِي ثَلَاثًا لَمْ تُعْطَ إِلَّا الْأَنْبِيَاء كَانَ اللَّه إِذَا بَعَثَ نَبِيًّا قَالَ اُدْعُنِي أَسْتَجِبْ لَك وَقَالَ لِهَذِهِ الْأُمَّة اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وَكَانَ اللَّه إِذَا بَعَثَ النَّبِيّ قَالَ لَهُ مَا جَعَلَ عَلَيْك فِي الدِّين مِنْ حَرَج وَقَالَ لِهَذِهِ الْأُمَّة مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج وَكَانَ اللَّه إِذَا بَعَثَ النَّبِيّ جَعَلَهُ شَهِيدًا عَلَى قَوْمه وَجَعَلَ هَذِهِ الْأُمَّة شُهَدَاء عَلَى النَّاس ) , وَكَانَ خَالِد الرَّبَعِيّ يَقُول : عَجِبْت لِهَذِهِ الْأُمَّة فِي " اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " [ غَافِر : 60 ] أَمَرَهُمْ بِالدُّعَاءِ وَوَعَدَهُمْ بِالْإِجَابَةِ , وَلَيْسَ بَيْنهمَا شَرْط . قَالَ لَهُ قَائِل : مِثْل مَاذَا ؟ قَالَ مِثْل قَوْله : " وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات " [ الْبَقَرَة : 25 ] فَهَاهُنَا شَرْط , وَقَوْله : " وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَم صِدْق " [ يُونُس : 2 ] فَلَيْسَ فِيهِ شَرْط الْعَمَل , وَمِثْل قَوْله : " فَادْعُوا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين " [ غَافِر : 14 ] فَهَاهُنَا شَرْط , وَقَوْله : " اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " لَيْسَ فِيهِ شَرْط , وَكَانَتْ الْأُمَم تَفْزَع إِلَى أَنْبِيَائِهَا فِي حَوَائِجهمْ حَتَّى تَسْأَل الْأَنْبِيَاء لَهُمْ ذَلِكَ .
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا لِلدَّاعِي قَدْ يَدْعُو فَلَا يُجَاب ؟ فَالْجَوَاب أَنْ يَعْلَم أَنَّ قَوْله الْحَقّ فِي الْآيَتَيْنِ " أُجِيب " " أَسْتَجِبْ " لَا يَقْتَضِي الِاسْتِجَابَة مُطْلَقًا لِكُلِّ دَاعٍ عَلَى التَّفْصِيل , وَلَا بِكُلِّ مَطْلُوب عَلَى التَّفْصِيل , فَقَدْ قَالَ رَبّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي آيَة أُخْرَى : " اُدْعُوا رَبّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَة إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ " [ الْأَعْرَاف : 55 ] وَكُلّ مُصِرّ عَلَى كَبِيرَة عَالِمًا بِهَا أَوْ جَاهِلًا فَهُوَ مُعْتَدٍ , وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ فَكَيْف يَسْتَجِيب لَهُ , وَأَنْوَاع الِاعْتِدَاء كَثِيرَة , يَأْتِي بَيَانهَا هُنَا وَفِي [ الْأَعْرَاف ] إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى , وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : أُجِيب إِنْ شِئْت , كَمَا قَالَ : " فَيَكْشِف مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ " [ الْأَنْعَام : 41 ] فَيَكُون هَذَا مِنْ بَاب الْمُطْلَق وَالْمُقَيَّد , وَقَدْ دَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاث فَأُعْطِيَ اِثْنَتَيْنِ وَمُنِعَ وَاحِدَة , عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي [ الْأَنْعَام ] إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : إِنَّمَا مَقْصُود هَذَا الْإِخْبَار تَعْرِيف جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ هَذَا وَصْف رَبّهمْ سُبْحَانه أَنْ يُجِيب دُعَاء الدَّاعِينَ فِي الْجُمْلَة , وَأَنَّهُ قَرِيب مِنْ الْعَبْد يَسْمَع دُعَاءَهُ وَيَعْلَم اِضْطِرَاره فَيُجِيبهُ بِمَا شَاءَ وَكَيْف شَاءَ " وَمَنْ أَضَلّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُون اللَّه مَنْ لَا يَسْتَجِيب لَهُ " [ الْأَحْقَاف : 5 ] الْآيَة . وَقَدْ يُجِيب السَّيِّد عَبْده وَالْوَالِد وَلَده ثُمَّ لَا يُعْطِيه رَسُوله , فَالْإِجَابَة كَانَتْ حَاصِلَة لَا مَحَالَة عِنْد وُجُود الدَّعْوَة ; لِأَنَّ أُجِيب وَأَسْتَجِبْ خَبَر لَا يُنْسَخ فَيَصِير الْمُخْبِر كَذَّابًا . يَدُلّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل مَا رَوَى اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ فُتِحَ لَهُ فِي الدُّعَاء فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَاب الْإِجَابَة ) . وَأَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَى دَاوُد : أَنْ قُلْ لِلظَّلَمَةِ مِنْ عِبَادِي لَا يَدْعُونِي فَإِنِّي أَوْجَبْت عَلَى نَفْسِي أَنْ أُجِيب مَنْ دَعَانِي وَإِنِّي إِذَا أَجَبْت الظَّلَمَة لَعَنْتهمْ , وَقَالَ قَوْم : إِنَّ اللَّه يُجِيب كُلّ الدُّعَاء , فَإِمَّا أَنْ تَظْهَر الْإِجَابَة فِي الدُّنْيَا , وَإِمَّا أَنْ يُكَفِّر عَنْهُ , وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِر لَهُ فِي الْآخِرَة , لِمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مُسْلِم يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْم وَلَا قَطِيعَة رَحِم إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّه بِهَا إِحْدَى ثَلَاث إِمَّا أَنْ يُعَجِّل لَهُ دَعْوَته وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِر لَهُ وَإِمَّا أَنْ يَكُفّ عَنْهُ مِنْ السُّوء بِمِثْلِهَا ) . قَالُوا : إِذَنْ نُكْثِر ؟ قَالَ : ( لِلَّهِ أَكْثَر ) . خَرَّجَهُ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ , وَصَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ , وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأ مُنْقَطِع السَّنَد . قَالَ أَبُو عُمَر : وَهَذَا الْحَدِيث يُخَرَّج فِي التَّفْسِير الْمُسْنَد لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى " اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " [ غَافِر : 60 ] فَهَذَا كُلّه مِنْ الْإِجَابَة , وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : كُلّ عَبْد دَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ , فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَدْعُو بِهِ رِزْقًا لَهُ فِي الدُّنْيَا أُعْطِيَهُ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رِزْقًا لَهُ فِي الدُّنْيَا ذُخِرَ لَهُ .
قُلْت : وَحَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ وَإِنْ كَانَ إِذْنًا بِالْإِجَابَةِ فِي إِحْدَى ثَلَاث فَقَدْ دَلَّك عَلَى صِحَّة مَا تَقَدَّمَ مِنْ اِجْتِنَاب الِاعْتِدَاء الْمَانِع مِنْ الْإِجَابَة حَيْثُ قَالَ فِيهِ : ( مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَة رَحِم ) وَزَادَ مُسْلِم : ( مَا لَمْ يَسْتَعْجِل ) . رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا يَزَال يُسْتَجَاب لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَة رَحِم مَا لَمْ يَسْتَعْجِل - قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه , مَا الِاسْتِعْجَال ؟ قَالَ - يَقُول قَدْ دَعَوْت وَقَدْ دَعَوْت فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيب لِي فَيَسْتَحْسِر عِنْد ذَلِكَ وَيَدَع الدُّعَاء ) , وَرَوَى الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَأَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يُسْتَجَاب لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَل يَقُول دَعَوْت فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي ) . قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ : يَحْتَمِل قَوْله ( يُسْتَجَاب لِأَحَدِكُمْ ) الْإِخْبَار عَنْ وُجُوب وُقُوع الْإِجَابَة , وَالْإِخْبَار عَنْ جَوَاز وُقُوعهَا , فَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْإِخْبَار عَنْ الْوُجُوب وَالْوُقُوع فَإِنَّ الْإِجَابَة تَكُون بِمَعْنَى الثَّلَاثَة الْأَشْيَاء الْمُتَقَدِّمَة , فَإِذَا قَالَ : قَدْ دَعَوْت فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي , بَطَلَ وُقُوع أَحَد هَذِهِ الثَّلَاثَة الْأَشْيَاء وَعَرِيَ الدُّعَاء مِنْ جَمِيعهَا , وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى جَوَاز الْإِجَابَة فَإِنَّ الْإِجَابَة حِينَئِذٍ تَكُون بِفِعْلِ مَا دَعَا بِهِ خَاصَّة , وَيَمْنَع مِنْ ذَلِكَ قَوْل الدَّاعِي : قَدْ دَعَوْت فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَاب الْقُنُوط وَضَعْف الْيَقِين وَالسَّخَط .
قُلْت : وَيَمْنَع مِنْ إِجَابَة الدُّعَاء أَيْضًا أَكْل الْحَرَام وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ , قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الرَّجُل يُطِيل السَّفَر أَشْعَث أَغْبَر يَمُدّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء يَا رَبّ يَا رَبّ وَمَطْعَمه حَرَام وَمَشْرَبه حَرَام وَمَلْبَسه حَرَام وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَاب لِذَلِكَ ) وَهَذَا اِسْتِفْهَام عَلَى جِهَة الِاسْتِبْعَاد مِنْ قَبُول دُعَاء مَنْ هَذِهِ صِفَته , فَإِنَّ إِجَابَة الدُّعَاء لَا بُدّ لَهَا مِنْ شُرُوط فِي الدَّاعِي وَفِي الدُّعَاء وَفِي الشَّيْء الْمَدْعُوّ بِهِ . فَمِنْ شَرْط الدَّاعِي أَنْ يَكُون عَالِمًا بِأَنْ لَا قَادِر عَلَى حَاجَته إِلَّا اللَّه , وَأَنَّ الْوَسَائِط فِي قَبْضَته وَمُسَخَّرَة بِتَسْخِيرِهِ , وَأَنْ يَدْعُو بِنِيَّةٍ صَادِقَة وَحُضُور قَلْب , فَإِنَّ اللَّه لَا يَسْتَجِيب دُعَاء مِنْ قَلْب غَافِل لَاهٍ , وَأَنْ يَكُون مُجْتَنِبًا لِأَكْلِ الْحَرَام , وَأَلَّا يَمَلّ مِنْ الدُّعَاء , وَمِنْ شَرْط الْمَدْعُوّ فِيهِ أَنْ يَكُون مِنْ الْأُمُور الْجَائِزَة الطَّلَب وَالْفِعْل شَرْعًا , كَمَا قَالَ : ( مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَة رَحِم ) فَيَدْخُل فِي الْإِثْم كُلّ مَا يَأْثَم بِهِ مِنْ الذُّنُوب , وَيَدْخُل فِي الرَّحِم جَمِيع حُقُوق الْمُسْلِمِينَ وَمَظَالِمهمْ , وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه التُّسْتَرِيّ : شُرُوط الدُّعَاء سَبْعَة : أَوَّلهَا التَّضَرُّع وَالْخَوْف وَالرَّجَاء وَالْمُدَاوَمَة وَالْخُشُوع وَالْعُمُوم وَأَكْل الْحَلَال , وَقَالَ اِبْن عَطَاء : إِنَّ لِلدُّعَاءِ أَرْكَانًا وَأَجْنِحَة وَأَسْبَابًا وَأَوْقَاتًا , فَإِنْ وَافَقَ أَرْكَانه قَوِيَ , وَإِنْ وَافَقَ أَجْنِحَته طَارَ فِي السَّمَاء , وَإِنْ وَافَقَ مَوَاقِيته فَازَ , وَإِنْ وَافَقَ أَسْبَابه أَنْجَحَ . فَأَرْكَانه حُضُور الْقَلْب وَالرَّأْفَة وَالِاسْتِكَانَة وَالْخُشُوع , وَأَجْنِحَته الصِّدْق , وَمَوَاقِيته الْأَسْحَار , وَأَسْبَابه الصَّلَاة عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقِيلَ : شَرَائِطه أَرْبَع : أَوَّلهَا حِفْظ الْقَلْب عِنْد الْوَحْدَة , وَحِفْظ اللِّسَان مَعَ الْخَلْق , وَحِفْظ الْعَيْن عَنْ النَّظَر إِلَى مَا لَا يَحِلّ , وَحِفْظ الْبَطْن مِنْ الْحَرَام , وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مِنْ شَرْط الدُّعَاء أَنْ يَكُون سَلِيمًا مِنْ اللَّحْن , كَمَا أَنْشَدَ بَعْضهمْ : يُنَادِي رَبّه بِاللَّحْنِ لَيْث كَذَاك إِذَا دَعَاهُ لَا يُجِيب وَقِيلَ لِإِبْرَاهِيم بْن أَدْهَم : مَا بَالنَا نَدْعُو فَلَا يُسْتَجَاب لَنَا ؟ قَالَ : لِأَنَّكُمْ عَرَفْتُمْ اللَّه فَلَمْ تُطِيعُوهُ , وَعَرَفْتُمْ الرَّسُول فَلَمْ تَتَّبِعُوا سُنَّته , وَعَرَفْتُمْ الْقُرْآن فَلَمْ تَعْمَلُوا بِهِ , وَأَكَلْتُمْ نِعَم اللَّه فَلَمْ تُؤَدُّوا شُكْرهَا , وَعَرَفْتُمْ الْجَنَّة فَلَمْ تَطْلُبُوهَا , وَعَرَفْتُمْ النَّار فَلَمْ تَهْرُبُوا مِنْهَا , وَعَرَفْتُمْ الشَّيْطَان فَلَمْ تُحَارِبُوهُ وَوَافَقْتُمُوهُ , وَعَرَفْتُمْ الْمَوْت فَلَمْ تَسْتَعِدُّوا لَهُ , وَدَفَنْتُمْ الْأَمْوَات فَلَمْ تَعْتَبِرُوا , وَتَرَكْتُمْ عُيُوبكُمْ وَاشْتَغَلْتُمْ بِعُيُوبِ النَّاس . قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِنَوْفٍ الْبَكَالِيّ : يَا نَوْف , إِنَّ اللَّه أَوْحَى إِلَى دَاوُد أَنْ مُرْ بَنِي إِسْرَائِيل أَلَّا يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنْ بُيُوتِي إِلَّا بِقُلُوبٍ طَاهِرَة , وَأَبْصَار خَاشِعَة , وَأَيْدٍ نَقِيَّة , فَإِنِّي لَا أَسْتَجِيب لِأَحَدٍ مِنْهُمْ , وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِي لَهُ عِنْده مَظْلِمَة . يَا نَوْف , لَا تَكُونَن شَاعِرًا وَلَا عَرِيفًا وَلَا شَرْطِيًّا وَلَا جَابِيًا وَلَا عَشَّارًا , فَإِنَّ دَاوُد قَامَ فِي سَاعَة مِنْ اللَّيْل فَقَالَ : إِنَّهَا سَاعَة لَا يَدْعُو عَبْد إِلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ فِيهَا , إِلَّا أَنْ يَكُون عَرِيفًا أَوْ شَرْطِيًّا أَوْ جَابِيًا أَوْ عَشَّارًا , أَوْ صَاحِب عَرْطَبَة , وَهِيَ الطُّنْبُور , أَوْ صَاحِب كُوبَة , وَهِيَ الطَّبْل . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَلَا يَقُلْ الدَّاعِي : اللَّهُمَّ أَعْطِنِي إِنْ شِئْت , اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي إِنْ شِئْت , اللَّهُمَّ اِرْحَمْنِي إِنْ شِئْت , بَلْ يُعَرِّي سُؤَاله وَدُعَاءَهُ مِنْ لَفْظ الْمَشِيئَة , وَيَسْأَل سُؤَال مَنْ يَعْلَم أَنَّهُ لَا يَفْعَل إِلَّا أَنْ يَشَاء . وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي قَوْله : " إِنْ شِئْت " نَوْع مِنْ الِاسْتِغْنَاء عَنْ مَغْفِرَته وَعَطَائِهِ وَرَحْمَته , كَقَوْلِ الْقَائِل : إِنْ شِئْت أَنْ تُعْطِينِي كَذَا فَافْعَلْ , لَا يُسْتَعْمَل هَذَا إِلَّا مَعَ الْغِنَى عَنْهُ , وَأَمَّا الْمُضْطَرّ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يَعْزِم فِي مَسْأَلَته وَيَسْأَل سُؤَال فَقِير مُضْطَرّ إِلَى مَا سَأَلَهُ . /و رَوَى الْأَئِمَّة وَاللَّفْظ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا دَعَا أَحَدكُمْ فَلْيَعْزِمْ الْمَسْأَلَة لَا يَقُولَن اللَّهُمَّ إِنْ شِئْت فَأَعْطِنِي فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِه لَهُ ) . وَفِي الْمُوَطَّأ : ( اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي إِنْ شِئْت , اللَّهُمَّ اِرْحَمْنِي إِنْ شِئْت ) . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : قَوْله ( فَلْيَعْزِمْ الْمَسْأَلَة ) دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَجْتَهِد فِي الدُّعَاء وَيَكُون عَلَى رَجَاء مِنْ الْإِجَابَة , وَلَا يَقْنُط مِنْ رَحْمَة اللَّه ; لِأَنَّهُ يَدْعُو كَرِيمًا . قَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة : لَا يَمْنَعَن أَحَدًا مِنْ الدُّعَاء مَا يَعْلَمهُ مِنْ نَفْسه فَإِنَّ اللَّه قَدْ أَجَابَ دُعَاء شَرّ الْخَلْق إِبْلِيس , قَالَ : رَبّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ , قَالَ فَإِنَّك مِنْ الْمُنْظَرِينَ , وَلِلدُّعَاءِ أَوْقَات وَأَحْوَال يَكُون الْغَالِب فِيهَا الْإِجَابَة , وَذَلِكَ كَالسَّحَرِ وَوَقْت الْفِطْر , وَمَا بَيْن الْأَذَان وَالْإِقَامَة , وَمَا بَيْن الظُّهْر وَالْعَصْر فِي يَوْم الْأَرْبِعَاء , وَأَوْقَات الِاضْطِرَار وَحَالَة السَّفَر وَالْمَرَض , وَعِنْد نُزُول الْمَطَر وَالصَّفّ فِي سَبِيل اللَّه . كُلّ هَذَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَار , وَيَأْتِي بَيَانهَا فِي مَوَاضِعهَا , وَرَوَى شَهْر بْن حَوْشَب أَنَّ أُمّ الدَّرْدَاء قَالَتْ لَهُ : يَا شَهْر , أَلَا تَجِد الْقُشَعْرِيرَة ؟ قُلْت نَعَمْ . قَالَتْ : فَادْعُ اللَّه فَإِنَّ الدُّعَاء مُسْتَجَاب عِنْد ذَلِكَ , وَقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : دَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِد الْفَتْح ثَلَاثًا يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَيَوْم الثُّلَاثَاء فَاسْتُجِيبَ لَهُ يَوْم الْأَرْبِعَاء بَيْن الصَّلَاتَيْنِ فَعَرَفْت السُّرُور فِي وَجْهه . قَالَ جَابِر : ( مَا نَزَلَ بِي أَمْر مُهِمّ غَلِيظ إِلَّا تَوَخَّيْت تِلْكَ السَّاعَة فَأَدْعُو فِيهَا فَأَعْرِف الْإِجَابَة ).[/font]

|