غابت المواقف والتصريحات الدولية الرسمية بعد فشل التظاهرات المفترضة في السعودية التي دعا اليها ناشطون على موقع فايسبوك من أجل المطالبة بإصﻼحات سياسية جذرية تحت مسمّى"ثورة حنين"، حتى إن الوﻻيات المتحدة اﻷميركية، حليف المملكة، ورغم دعوتها الصريحة إلى تبنّي "عملية التغيير" في تصريح للرئيس اﻻميركي باراك أوباما يوم الجمعة لم تعلّق على هزيمة الداعين إليها في السعودية.
أما اﻹعﻼم الغربي فقد أشار إلى الحدث، وأجمع على أن المملكة تشعر بالتهديد الذي تشكله التظاهرات التي تدعو إلى اﻹصﻼح، ولذلك حشدت السعودية قواها كافة، واستخدمت أوراقاً عديدة لفرض الهدوء في منطقها كافة.
ويوم الجمعة، علّق الرئيس اﻷميركي باراك أوباما على موجة التظاهرات التي تجتاح الشرق اﻷوسط وشمال أفريقيا ودعا الزعماء العرب إلى تبنّي"عملية التغيير" التي وصفها بأنها "فرصة عظيمة" للمنطقة لتطبيق اﻹصﻼحات. وقال إنه "من مصلحة المنطقة برمّتها .. إصﻼح نفسها سياسيًا واقتصاديًا حتى يمكن اﻻستفادة من الشباب الموهوب الرائع في تلك المنطقة".
لكن أوباما وفي حديثه عن اﻹصﻼح في المنطقة، أغفل الحديث عن فشل التظاهرات في السعودية وقضائها على تحركات "يوم الغضب"، رغم أن الوﻻيات المتحدة وكغيرها من الدول الغربية قد أصدرت بيانات وتوجيهات قبل موعد التظاهرات تدعو إلى احترام "المبادئ العالمية" مثل حق التظاهر. ومساء الخميس، أكد بن رودس كبير مستشاري الرئيس أوباما للسياسة الخارجية أن بﻼده تتابع عن كثب التطورات في السعودية، وتدافع عن حق التظاهر. وأضاف "ما قلناه هو إننا سندعم مجموعة من المبادئ العالمية في كل دولة في المنطقة".
إغفال أوباما عن الحديث عن الوضع في السعودية واجه انتقادات من قبل المدافعين عن حقوق اﻹنسان، خاصة أنه قيل إن القوات اﻷمنية في المملكة كانت لديها كل الصﻼحيات من أجل ردع المظاهرة. في هذا اﻻطار قالت هيومن رايتس ووتش إنه غير مقبول أن تتغاضى الوﻻيات المتحدة عن استعمال القوة بوجه المتظاهرين ﻷن أحد البلدان حليف لها. وقالت المنظمة إن السعودية تستخدم الوسائل نفسها التي تستخدم في ليبيا ومصر من أجل قمع المتظاهرين، وكانت الوﻻيات المتحدة قد انتقدت إستخدامها.
ووسط غياب التصريحات الرسمية حول العالم لما شهدته السعودية، علّق اﻹعﻼم الغربي بكثب على الحدث، وقد ركزت العناوين على "هدوء" و"يوم الغضب". في هذا اﻹطار رأت صحيفة "الغارديين" البريطانية أن عاملين أساسيين منعا السعوديين من التظاهر يوم الجمعة. وإعتبرت أن اﻹجراءات اﻷمنية المشددة والخوف من سيطرة اﻷصوليين لعبا دورًا مهمًا في التأثيرعلى التظاهرة وردع النشطاء.
وقد أشارت الصحيفة الى اﻻجراءات اﻻمنية المشددة التي فرضتها وزارة الداخلية وفتوى هيئة كبار العلماء التي حظرت حق التظاهر. كما إن السلطات في المملكة اتبعت حمﻼت واسعة من أجل حضّ الناشطين على التراجع عن التظاهر. وفي هذا اﻹطار، أطلقت حمﻼت واسعة على التفلزيون، في وقت انتشرت فيه رسائل هاتفية تتحدث عن أن التظاهرات هي عبارة عن مؤامرة إيرانية.
الى ذلك، إعتبرت الغارديان أن مصدر الدعوة إلى التظاهر كان سببًا أساسيًا في عدول الكثيرين عن التظاهر، رغم أن المؤيدين للصفحة التي أسّست من أجل التظاهر على موقع فايسبوك فاق عددهم الـ 30000. وذكرت الصحيفة أن الدعوة التي بدأت على فايسبوك من أجل انشاء مجتمع مدني، وتضمنت اقتراحات عدة من اجل اﻻصﻼح وانشاء ملكية دستورية، واحترام الحريات اﻻساسية في المجتمع، قد تحولت الى صفحة دعم ومدح لﻺسﻼميين.
كما اشارت الغارديان الى استطﻼع أعدّه فؤاد الفرحان، سأل خﻼله مواطنين عن رأيهم في إفشال التظاهرة. وقد شمل اﻻستطﻼع 400 شخص، أكد 37% منهم رضاهم بعدم نجاح التظاهرة، ﻻنهم يرفضون اي شكل من التظاهر، فيما شعر 30% بخيبة اﻷمل لعدم نجاح "يوم الغضب"، وذلك ﻻنهم يعتبرون ان التظاهرات قد تشجّع على اﻻصﻼح. كما اشار اﻻستطﻼع الى ان 2% شعروا بخيبة اﻻمل أيضًا ﻻنهم كانوا يتوقعون تظاهرة بحجم التظاهرات نفسها التي شهدتها مصر وتونس. كما اعرب 32% عن تفاؤلهم بأن اﻹصﻼح سيقرّ في المملكة، سواء نجحت التظاهرات أم ﻻ.
بدورها، عنونت "تايم" اﻻميركية ان يوم الغضب في السعودية مر بهدوء، ونقلت عن مواطنة اﻻجواء الهادئة التي شهدتها العاصمة الرياض مع انتشار العناصر اﻻمنية في شوارع المدينة وحول الجوامع. واشارت "التايم" الى ان المعارضين دعوا الى يوم غضب ثان في العشرين من الجاري لكن تنظيم التظاهرة الجديدة ﻻ يزال غير واضحا بسبب ماجرى يوم الجمعة.
واضافت التايم ان الدعوات الى التظاهر تجرب قدرة قوة وصﻼبة المملكة في التأقلم مع رياح التغيير التي تعصف في العالم العربي، لكنها تشير الى استبعاد استخدام اﻻقتصاد والظروف المعيشية كسبب للتظاهر. وفي هذا اﻻطار تحدثت عن غنى المملكة بالنفط، والمساعدات التي تقدمها ، والنظام الصحي، والتعليم لكنها ذكرت ايضا ان نحو 70% من الشعب تحت سن الثﻼثين وان نسبة البطالة لمن هم تحت الـ 25 سنة تصل الى 40%. لكن التايم ذكرت هنا الى ان عدم الشفافية حول اﻻمتيازات ورواتب نحو 8000 امير قد تضاف الى اسباب أخرى شكلت اساسا للتظاهر.
بدورها، تناولت صحيفة لوس انجلس تايمز فشل "يوم الغضب" في السعودية، وقالت إنه رغم ان السعودية تعاني مشاكل البطالة لدى الشباب، ومن الفساد في اﻻدارات، واضطهاد المرأة، اﻻ ان منتقدي النظام في المملكة ﻻ يريدون اسبتعاد العائلة المالكة السنّية، بل إنهم يدعون إلى تحول في البلد على مراحل من أجل وضع نظام ملكي دستوري. ويقول عالم اﻻجتماع خالد الدخيل للصحيفة "إن الوضع السياسي واﻻقتصادي في السعودية ليس ملحًّا كما في مصر".
من جهة اخرى، اشارت الصحيفة الى نجاح خطة الحكومة السعودية في منع التظاهر، حيث غاب النشطاء المطالبون باﻻصﻼح عن الشوارع، لكنها نقلت عن إحدى الناشطات قولها "أخذت السلطات في البﻼد الدعوة إلى التظاهر بشكل جدي. وعلينا أن نكرر الدعوات حتى نحقق التغيير".
"لو جورنال دو ديمانش" الفرنسي رأى أن التظاهرات فشلت في المملكة يوم الجمعة، لكن رياح التغيير التي تشهدها المنطقة قد تسرع وتيرة اﻻصﻼحات التي كان قد بدأها الملك عبدالله بن عبد العزيز في المملكة قبل سنتين، ومن ضمن تلك اﻹصﻼحات إدخال رموز شيعية في الحكومة، وإعطاء المرأة حق اﻻقتراع في اﻻنتخابات البلدية.
كما شددت الصحيفة الفرنسية على اﻻجراءات اﻻمنية المشددة التي فرضتها السلطات. الى ذلك، افادت الصحيفة ان الملك عبدالله يستعد ﻻجراء تعديل وزاري، قد يشهد انضمام شخصيات شيعية الى الحكومة، وتسمية رئيس حكومة يرجّح أن يكون حسب الصحيفة اﻻمير نايف بن عبد العزيز السعود وزير الداخلية.
ويقول المراقبون ان التعديل الوزاري قد يحصل في نهاية الشهر امام مجلس الشورى. يشار الى ان اﻻمير نايف بن عبد العزيز هنّأ يوم السبت الشعب السعودي "الذي دحر دعاة الفتنة، وأفشل مخططاتهم".
نجحت السعودية في إفشال "ثورة حنين" يوم الجمعة الماضي، وقد استخدمت في ذلك أوراق عدة، وسط إنشغال العالم بالحرب التي يشنّها العقيد الليبي معمّر القذافي على شعبه، وضحايا زلزال وتسونامي اليابان. وفي ظل الدعوات إلى إجراء إصﻼحات في السعودية، هل شكلت حكمة وعدالة الملك عبدالله وإقراره اﻹصﻼح الردع السلمي لتلك التظاهرات؟.
المصدر
http://jidar.net/Policy/1/%D9%83%D9%...8A%D8%A9%D8%9F