عندما سألهُ المذيع في لقاءٍ تلفزيوني :
-ليه مافيش صالون لأنيس منصور ..؟
رد قائلاً :
- مافيش وقت لأنيس منصور ،ماعنديش وقت .
و في نظري لا يحتاج أنيس لأن يكون لهُ صالون فجلوسك في حضرة كتبه يغنيك عن ذاك الصالون
و أولى مصافحاتي لكتب هذا الفيلسوف الرائع كانت مع كتابة الشهير الذي يكفيه عنوانه كي يكون
متميزاً
في صالون العقاد كانت لنا أيام | دار الشروق |694 صفحة
و أيّ صالون حدثنا عنه هذا الأنيس ..؟!
صالون اجتمع فيه أكبر الأدباء والفلاسفة في ذلك العصر ، منهم من حضر إلى العقاد وجلس في
صالونه وتناول عصير الليمون الذي يقدمه خادمه،ومنهم من احضرهُ العقاد من خلال كتبه وكتاباته.
صالون العقاد الذي كانت تُناقش فيه الفلسفة بتفرعاتها ، الأديان وخلافاتها ، الأجيال وصراعاتها ،
الموسيقى والفن والجمال ، السياسة والساسّة الأنقياء و الأشرار .
أيّ صراع و أي صدمات كان يشعر بها و يتلاقاها تلامذة العقاد ومن يحضرون ندواته و يقرؤن
كتبه ومقالاته ، كان يرفعهم إلى السماء ثم يهوي بهم في سابع أرض وكل ذلك بكلمة أو ضحكة أو
نكتة يطلقها
تعلق أنيس بالعقاد وفكره وكلماته وحروفه بل سأتجاوز و أقول حتى بحركاته وتحركاته ، قد وجد
أنيس في العقاد الأب العقلي الذي يحتاجه في طور دراسته للفلسفة ، فدخل الصالون و أغلق على فكره
و لكنهُ لم يرمي المفتاح
كان يرى أن الكتب والمقالات والتعليقات ليست إلا ما يكتبهُ العقاد و يقوله ، حتى جاء اليوم الذي تحرر
فيه أنيس ، بل حرر نفسه من تلك العبودية و قرر أن يكتب ما يراه و يقول ما يراه بدون قيود ولا
تبعيّة لأحد . ومن اعجب المفارقات أن العقاد لم يكن يؤمن بالفلسفة الوجودية التي يعتنقها أنيس
منصور .!
كتب أنيس :
”وكان العقاد يصدمني أيضاً .فقد كان يدين بفلسفة غير التي أدين بها .وأنا صاحب قلب وهو صاحب
عقل .أنا انتقل وهو يتقدّم .أنا انبهر وهو يضيء .أنا اتغنى وهو يخطب . ولا أعرف كيف صدمني
العقاد في أعز ما أملك :حبي الوجداني للفلاسفة.كان صاحب عقل كبير وكنت صاحب قلب
صغير.وكنت أمسك في يدي شمعة،أما هو فيمسك النجوم والشموس في يديه .“
دخل أنيس مدرسة العقاد ، العقاد المدرسة التي تجد فيها ما يعجبك وما يثير دهشتك ، تجد فلاسفة
الغرب والشرق و المفكرين وحتى الأطباء ، يلعب بأفكارهم وأقوالهم كما يشاء ، و كأنهُ يتحدّى الكون
أجمع .. فالعقاد الذي لم يكمل تعليمه ولم يدخل الجامعة ،استطاع أن يصبح جامعة بحد ذاته . في
صالونه كل الوجوه وكل الشخصيات الكثير من الذكور و قلة من الإناث . بالرغم من كونهُ ناقماً على
المرأة كما عرف عنه إلا أنهُ كان يملك قلباً رقيقاً محباً لها . أرى أن معظم ما قاله العقاد في المرأة
تستحقه وقتها . لا أعلم ربما إن كان العقاد في زماننا هذا لكان لهُ رأياً مختلفاً في المرأة .من يدري .
هذا هو صالون العقاد الصغير مساحةً فقط ، يقول أنيس عند زيارتهُ لشقة العقاد بعد وفاته رحمه الله
:
“ إنهُ أصغر كثيراً جداً مما كنا نراه ..كيف كان الأستاذ يأتي بالدنيا إلى هذا الصالون يقلبها و يعدّلها
و يلقي بها من النافذة ؟! كيف كان هذا الصالون الصغير يتسع لكل ذلك ؟! كيف كانت تقام
هنا محكمة التاريخ ..وكيف كان العقاد هو القاضي والمستشارين ، وكنا نحن المحلفين ؟ كيف يرد
الملوك والزعماء و أنصاف الآلهة من جلسته هذه .ثم يغلق الباب في وجوههم دون أن يهتز ؟!
..وكيف كنا نرى ذلك بوضوح ؟! ..حتى اعتدنا على أن يجيء التاريخ خادماً يستأذن .فيأذن لأبطال
التاريخ : سياسياً بعد فيلسوف بعد عالم بعد كافر بعد عاشق … “
لا ألومك يا أنيس في حبك وتعلقك بالعقاد و لكني ألوم من يقول أن أنيس كتب كتابه هذا لنفسه وعن
نفسه وليس فيه مصداقية وفيه تقوّل و أباطيل على لسان العقاد . لمثل هذا أقول : إن كنت تريد أن
تقرأ عن العقاد فلتقرأ العقاد .
هذا كتاب أنيس وصف فيه حاله وحياته التي سيطر عليها العقاد برضى منه و انقياد له معجباً منبهراً
بفكره و كتبه . أحببت الكثير من أنيس و أحببتُ الأجواء التي عشتها وتعايشت معها في هذا الكتاب و
في الصالون بالتحديد .
قراءة ممتعة اتمناها لكم [

] .