
والآن نأتي للنقْطة الَّتي نادى بها الجميع منذُ بدأ يقرأ هذه الكلمة: لماذا كل هذا؟ ولِم أتْعب وأسهر؟
فأقول: وماذا تنتظِر من المجتمع بعد أن يستنيرَ قلبك وعقلك؟ وظيفة ما، وهل منعك أحد؟!
إنَّك أنت الَّذي يمنع نفسه من العمل؛ لأنَّنا لا نُريد أن نتعب أو نَجري وراء فرصة عمل، ولأنَّنا نضع العقدة في المنشار؛ بحجَّة أنَّنا لا نريد العمل في وظيفةٍ أقلَّ من قدراتنا.
أهذا أهْون أم أن نظلَّ عالةً على أهلنا، حتَّى بعد تخرُّجنا؟!
لماذا تنتظر أصلاً؟! لماذا لا تبدأ العمل إلاَّ بعد الانتِهاء من الدراسة؟ نعَم، لم لا تكون عصاميًّا منذ دخولِك الجامعة على الأقل، وتنفق على ذاتِك وتُريح كاهل أهلِك من مسؤوليَّتك، وتبدأ خطوة جادَّة مبكِّرة من حياتك في كيفيَّة الاعتماد على ذاتِك ومواردِك؟!
لم ننتَظِر الانتهاء من الجامعة كي نبحث عن فرصة عمل؟! فطلبة الغرْب أبرع منَّا في ذلك، مع أنَّنا نملك ما يفتقِرون إليه، نملك عالم الرُّوح والمادَّة معًا، أمَّا هم فإنَّهم لا يقنعون إلاَّ بالمادَّة، ولا يعترفون بعالم الرُّوح؛ ولذا فإنَّهم قلَّما واصلوا حياتَهم دون أن تواجههم أمراضُ النَّفس وعلل السَّريرة والروح، وبالرَّغم من ذلك فإنَّهم يُشكرون على نجاحهم في حياتِهم، وإن كانت مادّيَّة، ويبدأ ذلك النَّجاح منذ الصغر، حينما يحرص الأبُ على تعليم الابْنِ حرفةً أو تنمية مهارة أو موهبة تُصْبِح له سندًا، وذلك بجانب تعْليمه وترْبِيته، فحينما يشبُّ الفتى أو الفتاة فإنَّه يكون قد انغرس في الحياة العمليَّة، ويدخل الجامعة وقد وفَّر لذاتِه مصدرًا ثابتًا يُنْفِق منْه على نفسه، ولا يأْبه الشَّابُّ هناك من العمل بأيِّ حرفةٍ طالَما سوف تدرُّ عليْه دخلاً محترمًا، وحينما يُنهي جامعتَه فإنَّه لا ينتظِر القوَّة العاملة كي توظِّفَه، بل يتحرَّك في أكثر من اتِّجاه، ويعمل في أكثر من عمل حتَّى يجِد الأفضل والأمْثل.
أليس كذلك يا طلبة الجامعة؟!