إن الكورتيزون الذي هو هرمون النشاط في جسم اﻹنسان يبدأ في اﻻزدياد وبحدة مع دخول وقت صﻼة الفجر، ويتﻼزم معه ارتفاع منسوب ضغط الدم، ولهذا يشعر اﻹنسان بنشاط كبير بعد صﻼة الفجر بين السادسة والتاسعة صباحا، لذا نجد هذا الوقت بعد الصﻼة هو وقت الجـد والتشمير للعمل وكسب الرزق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وابن ماجة واﻹمام أحمد: " اللهم بارك ﻷمتي في بكورها"، كذلك تكون في هذا الوقت أعلى نسبة لغاز اﻷوزون في الجو، ولهذا الغاز تأثير منشط للجهاز العصبي ولﻸعمال الذهنية والعضلية،ونجد العكس من ذلك عند وقت الضحى، فيقل إفراز الكورتيزون ويصل لحده اﻷدنى، فيشعر اﻹنسان باﻹرهاق مع ضغط العمل ويكون في حاجة إلى راحة، ويكون هذا بالتقريب بعد سبع ساعات من اﻻستيقاظ المبكر، وهنا يدخل وقت صﻼة الظهر فتؤدي دورها كأحسن ما يكون من بث الهدوء والسكينة في القلب والجسد المتعبين.
بعدها يسعى المسلم إلى طلب ساعة من النوم تريحه وتجدد نشاطه، وذلك بعد صﻼة الظهر وقبل صﻼة العصر، وهو ما نسميه "القيلولة" وقد قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجة عن ابن عباس "استعينوا بطعام السحر على الصيام، وبالقيلولة على قيام الليل"وقال صلى الله عليه وسلم: " أقيلوا فإن الشياطين ﻻ تقيل " وقد ثبت علميا أن جسم اﻹنسان يمر بشكل عام في هذه الفترة بصعوبة بالغة، حيث يرتفع معدل مادة كيميائية مخدرة يفرزها الجسم فتحرضه على النـوم، ويكون هذا تقريبا بعد سبع ساعات من اﻻستيقاظ المبكر، فيكون الجـسم في أقل حاﻻت تركيزه ونشاطه، وإذا ما استغنى اﻹنسان عن نوم هذه الفترة فإن التوافق العضلي العصبي يتناقص كثيرا طوال هذا اليوم،
ثم تأتي صﻼة العصر ليعاود الجسم بعدها نشاطه مرة أخرى ويرتفع معدل "اﻷدرينالين" في الدم، فيحدث نشاط ملموس في وظائف الجسم خاصة النشاط القلبي، ويكون هنا لصﻼة العصر دور خطير في تهيئة الجسم والقلب بصفة خاصة ﻻستقبال هذا النشاط المفاجئ، والذي كثيرا ما يتسبب في متاعب خطيرة لمرضى القلب للتحول المفاجئ للقلب من الخمول إلى الحركة النشطة.
وهنا يتجلى لنا السر البديع في توصية مؤكدة في القرآن الكريم بالمحافظة على صﻼة العصر حين يقول تعالى [ حافظوا على الصلوات والصﻼة الوسطى وقوموا لله قانتين ] (البقرة 238)، وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن الصﻼة الوسطى هنا هي صﻼة العصر، ومع الكشف الذي ذكرناه من ازدياد إفراز هرمون"اﻷدرينالين" في هذا الـوقت يتضح لنا السر في التأكيد على أداء الصﻼة الوسطى، فأداؤها مع ما يؤدي معها من سنن ينشط القلب تدريجيا، ويجعله يعمل بكفاءة أعلى بعد حالة من الخمول الشديد ودون مستوى اﻹرهاق، فتنصرف باقي أجهزة الجسم وحواسه إلى اﻻستغراق في الصﻼة، فيسهل على القلب مع الهرمون تأمين إيقاعهما الطبيعي الذي يصل إلى أعﻼه مع مرور الوقت.
ثم تأتي صﻼة المغرب فيقل إفراز "الكورتيزون" ويبدأ نشاط الجسم في التناقص، وذلك مع التحول من الضوء إلى الظﻼم، وهو عكس ما يحدث في صﻼة الصبح تماما، فيزداد إفراز مادة "الميﻼتونين" المشجعة على اﻻسترخاء والنوم، فيحدث تكاسل للجسم وتكون الصﻼة بمثابة محطة انتقالية.
وتأتي صﻼة العشاء لتكون هي المحطة اﻷخيرة في مسار اليوم، والتي ينتقل فيها الجسم من حالة النشاط والحركة إلى حالة الرغبة التامة في النوم مع شيوع الظﻼم وزيادة إفراز "الميﻼتونين"، لذا يستحب للمسلمين أن يؤخروا صﻼة العشاء إلى قبيل النوم لﻼنتهاء من كل ما يشغلهم، ويكون النوم بعدها مباشرة، وقد جاء في مسند اﻹمام أحمـد عن معاذ بن جبل لما تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صﻼة العشاء في أحد اﻷيام وظن الناس أنه صلى ولن يخرج" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعتموا بهذه الصﻼة ـ أي أخروها إلى العتمة ـ فقد فضلتم بها على سائر اﻷمم ولم تصلها أمة قبلكم"
وﻻ ننسى أن ﻹفراز الميﻼتونين بانتظام صلة وثيقة بالنضوج العقلي والجنسي لﻺنسان، ويكون هذا اﻻنتظام باتباع الجسم لبرنامج ونظام حياة ثابت، و لذا نجد أن اﻻلتزام بأداء الصلوات في أوقاتها هو أدق أسلوب يضمن لﻺنسان توافقا كامﻼ مع أنشطته اليومية، مما يؤدي إلى أعلى كفاءة لوظائف أجهزة الجسم البشري.
من كتاب قبل أن يكتشف الطب
أتمنى تكون المعلومات مفيدة
[motr]محبكم / إحساس ناجح[/motr] |