*
1433
تحسست نبضي وإذ به هو هو ، يحكي قصة الحزن بحزن للدفتر الأزرق ذو الصقر الذهبيّ ، ومازالت قهوتي تناشدني أن أمنحها فرصة لتمارس دورها الطبيعي ، لكن محاولاتها تبؤ بالفشل تبقى في الفنجان إلى أن تبرد كثيرا ، ثم تواجه نفس المصير كل مرة ، أسكبها في خزفية كبيرة تحمل قليل من الأتربة ، وأشياء كانت فيما مضى تسمى ورود ، أما اليوم فإنها تتحلى بملامح بالية ، شقوق وشروخ وأعواد يابسة لاتبعث في النفس إلا البؤس ، حاولت مجاراة الكون ، الشمس ، العمر ، التقويم ، حاولت التلبس برداء سُنّة التجديد ، خلعت الماضي ونزعت الذاكرة و حاولت استئصال ورم الحزن المتسلل بين نبضات قلبي ، وجلست هناك عارية من كل ذكرى من كل ألم من كل حزن من كل إحساس ومشاعر وحب ، جلست أنتظر موجة العام الجديد ، موجة التجديد ، فربما تصفق بي بشدة ، وأخرج منها كما يوم ولدتني أمي ، جديدة ، انتظرت كثيرا ولم أدرك أن الجديد قد حلّ منذ ساعات ، قالوا إنه العام الجديد ، لم أدرك أنه لن يحلّ بموجة تسوقه إلينا ، بل سيحل صامتا متسللا ، حتى لايوقظ أحزاننا ، إنه متواطئ معها ، لايريد أن يُكلف بتجديد كل هؤلاء ، ومنحهم حياة جديدة وبداية جديدة وأملا جديدا ، إنه صعب جدا ومرهق جدا ، نهضت وقلت : تبا لك ، لاجديد ، فذات الأرض تحمل كل يوم أناس أثقلتهم الحياة ألما ، وذات السماء يستظل بها أناس يموتون في اليوم ألف مرة ، والشمس ذاتها بمساعدة الأغبياء المأفونون لجعل العالم يعاني الأمرين من الاختناق الحراري والقراري ، وذات القمر الذي يؤنسه السمر على أحزاننا ، وذات البحر الذي لو شاء لالتهمنا بأمواجه العاتية ، وأنا وروحي الثكلى ، قلبت أوراقي لأرى ربما ماعاد يؤثر بي الحزن ربما استجد أمر لا أراه بعينيّ ، ووجدت أن الحزن الساكن في تلك الأوراق يقول لي : أنا سعيد بدخول العام الجديد ونحن مازلنا مترافقين ، كل عام وأنتِ حزينة ، لقد طاب لي المقام في قلبك الغضّ ، وطابت لي الإطلالة من شرفات عينيك الباكيتين ، وطاب لي السمر معك ومناجاتك في جوف الليل ، وطابت لي مرافقتك في الحلّ والترحال ، كم أنا سعيد لأني أرافق أوفى الأوفياء كم أنت وفيّة لي ياصديقتي !
حينها وبسبب ذكائه ودهائه ومكره شعرتُ بالإطراء ، والفخر ، واستحييت من نفسي لأنني كنت أنوي قبل قليل التخلص منه ومن صداقته ورفقته ، لقد تآمر هو والليل والعام الجديد عليّ
فمازلت حزينة ، وقد فقدت عقلي ، لقد سلبوه مني بالحيلة حتى لا أفكر مرة أخرى بالتخلص بخبث من رفيقي الحزن ، وبقيت أحيا بقلبي الذي لايملك لسان ولا عينان ولابصيرة .. أنتظر أمرا جديدا أنا وحزني ..