رد: "قوم يظهر فيهم السمن"
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين..
لتوضيح معاني الأحاديث التي طرحها الأخ كاليبريتور, قمت بجمع مقتطفات من شروح العلماء على هذين الحديثين مستعيناً بالله ثم ببرنامج المكتبة الشاملة, وقد تبين من خلال البحث أن العلامة الألباني رحمه الله قد حكم عليهما بأنهما مقبولين.
شروح للحديث الأول:
1-( خيركم قرني ) أي أهل قرني يعني أصحابه فإنهم أعلم بالله وأقوى يقيناً ممن بعدهم من علماء التابعين وإن كان في التابعين من هو أعلم منهم بالفتوى والأحكام ( ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يكون من بعدهم ) أي بعد الثلاث ( قوم ) فاعل يكون ( يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون ) صفة قوم ( وينذرون ) بكسر المعجمة وضمها ( ولا يفون ) بنذرهم ( ويظهر فيهم السمن ) أي يحبون التوسع في المطاعم الموجبة للسمن أو يتعاطون التسمين أو يتكثرون بما ليس فيهم
(التيسير بشرح الجامع الصغير - المناوي)
2-في حديث جعدة بن هبير عند بن أبي شيبة والطبراني إثبات القرن الرابع ولفظه خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الاخرون أردا ورجاله ثقات إلا أن جعدة مختلف في صحته انتهى ( يخونون ولا يؤتمنون ) أي لا يثق الناس بهم ولا يعتقدونهم أمناء بأن تكون خيانتهم ظاهرة بحيث لا يبقى للناس اعتماد عليهم ( ويفشو ) أي يظهر ( فيهم السمن ) بكسر المهملة وفتح الميم بعدها نون أي يحبون التوسع في الماكل والمشارب وهي أسباب السمن.
(تحفة الأحوذي)
3-ومعنى قوله يظهر فيهم السمن أنهم يتوسعون في المآكل والمشارب وهي أسباب السمن وقيل أراد كثرة المال وقيل المراد أنهم يسمنون أي يتكثرون بما ليس فيهم ويدعون ما ليس لهم من الشرف وفي حديث أخرجه الترمذي بلفظ "ثم يجيء قوم يتسمنون ويحبون السمن" فجمع بين السمن أي التكثر بما ليس عندهم وتعاطي أسباب السمن.
(سبل السلام)
شرحين للحديث الثاني:
1-أخرج ابن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط "سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام ويشربون ألوان الشراب ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلام فأولئك شرار أمتي" وقال لقمان لابنه: يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة وفي الخلو عن الطعام فوائد وفي الامتلاء مفاسد ففي الجوع صفاء القلب وإيقاد القريحة ونفاذ البصيرة فإن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب ويكثر البخار في المعدة والدماغ كشبه السكر حتى يحتوي على معادن الفكر فيثقل القلب بسببه عن الجريان في الأفكار ومن فوائده كسر شهوة المعاصي كلها والاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء فإن منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى ومادة القوى الشهوات والشهوات لا محالة الأطعمة فتقليلها يضعف كل شهوة وقوة وإنما السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه والشقاوة كلها في أن تملكه نفسه قال ذو النون: ما شبعت قط إلا عصيت أو هممت بمعصية وقالت عائشة رضي الله عنها: أول بدعة حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشبع إن القوم لما شبعت بطونهم جمحت بهم نفوسهم إلى الدنيا ويقال الجوع خزانة من خزائن الله وأول ما يندفع بالجوع شهوة الفرج وشهوة الكلام فإن الجائع لا تتحرك عليه شهوة فضول الكلام فيتخلص من آفات اللسان ولا تتحرك عليه شهوة الفرج فيتخلص من الوقوع في الحرام ومن فوائده قلة النوم فإن من أكل كثيرا شرب كثيرا فنام طويلا وفي كثرة النوم خسران الدارين وفوات كل منفعة دينية ودنيوية
وعد الغزالي في الإحياء عشر فوائد لتقليل الطعام وعد عشر مفاسد للتوسع منه فلا ينبغي للعبد أن يعود نفسه ذلك فإنها تميل به إلى الشره ويصعب تداركها وليرضها من أول الأمر على السداد فإن ذلك أهون له من أن يجرئها على الفساد وهذا أمر لا يحتمل الإطالة إذ هو من الأمور التجريبية التي قد جربها كل إنسان والتجربة من أقسام البرهان
(سبل السلام شرح بلوغ المرام تأليف: محمد بن اسماعيل الصنعاني)
2-(سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام ويشربون ألوان الشراب ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلام فأولئك شرار أمتي) أي من شرارهم وهذا من معجزاته فإنه إخبار عن غيب وقع والواحد من هؤلاء يطول أكمامه ويجر أذياله تيها وعجبا مصغيا إلى ما يقول الناس له وفيه شاخصا إلى ما ينظرون إليه منه قد عمي بصره وبصيرته إلى النظر إلى صنع الله وتدبيره وصم سمعه عن مواعظ الله يقرأ كلام الله ولا يلتذ به ولا يجد له حلاوة كأنه إنما عنى بذلك غيره فكيف يلتذ بما كلف به غيره وإنما صار ذلك لأن الله عز اسمه خاطب أولي العقول والبصائر والألباب ، فمن ذهب عقله وعميت بصيرته في شأن نفسه ودنياه كيف يفهم كلام رب العالمين ويلتذ به وكيف يحلو بصره وهو يرى صفة غيره ؟.
(فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي)
----------------------------------------
الخلاصة: في الحديث الأول دليل على نبوة الرسول صلوات الله وسلامه عليه وهو تنبؤه بأن السمنة ستظهر وتفشوا بعد القرون المفضلة وهي مذمومة كما هو مبين في الشروح ولكنها لا تصل إلى حد القدح في عقيدة من ابتلي بها.
أما ما في الحديث الثاني أخي الكريم, فلم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم السمنة ولكن ذكر صفات المترفين المبذرين المتفاخرين التي إن اجتمعت في أحد من المسلمين, فيخشى عليه من أن يكون من شرار الناس ولا يشترط كونه سميناً.
والله تعالى أعلى وأعلم
|