صدق المودة و المحبة ، واختصاص المحب لما يدور في قلب أخيه الذي أحبه في الله
عز و جل
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم
الناس و قال : إنّ الله خيّر عبدا بين الدنيا و بين ما عنده ، فاختار ذلك العبد ما عند الله
، قال : فبكى أبو بكر ، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم عن
عبد خُيِّر ، فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم هو المخيّر ، و كان أبو بكر أعلمنا ،
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إنّ أمَنَّ الناس عليّ في صحبته و ماله أبو
بكر ، و لو كنت متّخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر ، و لكن أخوة الإسلام و مودّته
، لا يبقيّن في المسجد باب إلا سُدّ ، إلا باب أبي بكر " (رواه الشيخان)
قال ابن رجب في "لطائف المعارف " :
لما عرّض الرسول صلى الله عليه و سلم على المنبر باختياره للقاء على البقاء و لم
يصرّح ، خفى المعنى على كثير ممن سمع ، و لم يفهم المقصود غير صاحبه
الخصيص به ، ثاني اثنين إذ هما في الغار ، و كان أعلم الأمة بمقاصد الرسول صلى
الله عليه و سلم ، فلما فهم المقصود من هذه الإشارة بكى و قال : بل نفديك بأموالنا
وأنفسنا و أولادنا ، فسكّن الرسول صلى الله عليه و سلم من جزعه ، و أخذ في مدحه و
الثناء عليه على المنبر ، ليعلم الناس كلهم فضله ، و لا يقع عليه اختلاف في خلافته ،
فقال : " إنّ من أمَنّ الناس عليّ في صحبته و ماله أبو بكر
2) المهاجرون و الأنصار :
ما حدث بين المهاجرين و الأنصار أخوة صادقة ، و مدح الله عزّ و جلّ الأنصار
بقوله :" والذين تبوّؤا الدّار و الإيمان من قبلهم يُحبون من هاجر إليهم و لا يجدون في
صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة و من يوق شُحّ
نفسه فأولئك هم المفلحون " (الحشر ٩ )
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قالت الأنصار اقسم بيننا و بين إخواننا النخيل ،
قال : لا ،
فقالوا : أتكفونا المؤنة و نشرككم في الثمرة قالوا سمعنا و أطعنا " ( البخاري)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى : " يُحبون من هاجر إليهم " : أي من أكرمهم و شرف
أنفسهم ، يحبون المهاجرين و يواسونهم بأموالهم ، و قوله :" و لا يجدون في صدورهم
حاجة مما أوتوا" قال ابن كثير رحمه الله : أي و لا يجدون في أنفسهم حسدا للمهاجرين
فيما فضلهم الله به ، من المنزلة و الشرف و التقديم في الذكر و الرتبة ، و قوله : " و
يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة "
قال القرطبي : الإيثار هو تقديم الغير على النفس و حظوظها الدنيوية ، و رغبة في
الحظوظ الدينية ، و ذلك ينشأ عن قوة اليقين و توكيد المحبة و الصبر على المشقة ، أي
يؤثرون على أنفسهم بأموالهم و منازلهم لا عن غنى بل مع احتياجهم إليها
و قال رحمه الله : و الإيثار بالنفس فوق الإيثار بالمال
و من الأمثال السائرة : و الجود بالنفس أقصى غاية الجود ، قال الدكتور بابللي في "
معاني الأخوة في الإسلام و مقاصدها" هذا الحب لا لصنيعة سبقت من المهاجرين إليهم
، أو ليد كانت لهم عليهم ، و إنما الإيمان بالله الذي وحد بين قلوبهم ، و هو الحب في
الله الذي جمع بينهم ، ففتحوا قلوبهم لإخوانهم في الدين ، قبل أن يفتحوا لهم منازلهم
3) و من هذه الصور المشرقة للمحبة الصادقة :ما رواه القرطبي في "تفسيره" عن
حذيفة العدوي قال : انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي
– و معي شيء من الماء – و أنا أقول إن كان به رمق سقيته ، فإذا أنا به ، فقلت
له : أسقيك ، فأشار برأسه أن نعم ، فإذا أنا برجل يقول : آه ، آه ، فأشار إليّ ابن
عمي أن أنطلق إليه ، فإذا هو هشام بن العاص ، فقلت : أسقيك ؟ فأشار أن نعم ،
فسمع أخر يقول آه ، آه ، فأشار هشام أن انطلق إليه ، فجئته فإذا هو قد مات ، فرجعت
إلى هشام فإذا هو قد مات ، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات