رد: طلب للمره الثانيه
كتاب الشركات
باب في أحكام الشراكة وأنواع الشركات
موضوع الشركات ينبغي التعرف على أحكامه لكثرة التعامل به ؛ إذ لا يزال الاشتراك في التجارة وغيرها مستمرا بين الناس ، وهو من باب التعاون على تحصيل المصالح بتنمية الأموال واستثمارها وتبادل الخبرات .
فالشركة في التجارة وغيرها مما جاءت بجوازه نصوص الكتاب والسنة .
- قال الله تعالى : وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ والخلطاء هم الشركاء ، ومعنى : لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ : يظلم بعضهم بعضا ، فدلت الآية الكريمة على جواز الشركة ، والمنع من ظلم الشريك لشريكه .
- والدليل من السنة على جواز الشركة قوله - صلى الله عليه وسلم - : قال الله تعالى : أنا ثالث الشريكين أي : معهما بالحفظ والرعاية والإمداد وإنزال البركة في تجارتهما ؛ ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فإذا خانه ؛ خرجت من بينهما أي : نزعت البركة من تجارتهما ، ففي الحديث مشروعية الشركة والحث عليها مع عدم الخيانة ؛ لأن فيها التعاون ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .
وينبغي اختيار من ماله من حلال للمشاركة ، وتجنب من ماله من الحرام أو من المختلط بالحلال والحرام .
وتجوز مشاركة المسلم للكافر بشرط أن لا ينفرد الكافر بالتصرف ، بل يكون بإشراف المسلم ؛ لئلا يتعامل الكافر بالربا أو المحرمات إذا انفرد عن إشراف المسلم .
والشركة تنقسم إلى قسمين : شركة أملاك وشركة عقود .
- فشركة الأملاك هي اشتراك في استحقاق ، كالاشتراك في تملك عقار أو تملك مصنع أو تملك سيارات أو غير ذلك .
- وشركة العقود هي الاشتراك في التصرف ، كالاشتراك في البيع أو الشراء أو التأجير أو غير ذلك ، وهي إما اشتراك في مال وعمل أو اشتراك في عمل بدون مال ،وهي خمسة أنواع :
النوع الأول : أن يكون الاشتراك في المال والعمل ، وهذا النوع يسمى شركة العنان .
النوع الثاني : اشتراك في مال من جانب وعمل من جانب آخر ، وهذا ما يسمى بالمضاربة .
النوع الثالث : اشتراك في التحمل بالذمم دون مال ، وهذا ما يسمى بشركة الوجوه .
النوع الرابع : اشتراك فيما يكسبان بأبدانهما ، وهذا ما يسمى بشركة الأبدان .
النوع الخامس : اشتراك في كل ما تقدم ، بأن يفوض أحدهما إلى الآخر كل تصرف مالي وبدني ، فيشمل شركة العنان والمضاربة والوجوه والأبدان ، ويسمى هذا النوع بشركة المفاوضة .
هذا مجمل أنواع الشركات ، ولنبينها بالتفصيل واحدة واحدة ؛ لداعي الحاجة إلى بيانها ، فنقول :
باب في أحكام شركة العنان
وهي بكسر العين ، سميت بذلك لتساوي الشريكين في المال والتصرف ؛ وذلك أن كل واحد من الشريكين يساوى الآخر في تقديمه ماله وعمله في الشركة .
فحقيقة شركة العنان أن يشترك شخصان فأكثر بماليهما ، بحيث يصيران مالا واحدا يعملان فيه بيديهما ، أو يعمل فيه أحدهما ويكون له من الربح أكثر من نصيب الآخر .
وشركة العنان بهذا الاعتبار المذكور جائزة بالإجماع ؛ كما حكاه ابن المنذر - رحمه الله - وإنما اختلف في بعض شروطها .
وينفذ تصرف كل من الشريكين في مال الشركة بحكم الملك في نصيبه والوكالة في نصيب شريكه ؛ لأن لفظ الشركة يغني عن الإذن من كل منهما للآخر .
واتفقوا على أنه يجوز أن يكون رأس مال الشركة من النقدين المضروبين ؛ لأن الناس يشتركون بهما من زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا من غير نكير .
واختلفوا في كون رأس المال في شركة العنان من العروض ، فقال بعضهم : لا يجوز ؛ لأن قيمة أحد المالين قد تزيد قبل بيعه ولا تزيد قيمة المال الآخر ، فيشارك أحدهما الآخر في نماء ماله .
والقول الثاني : جواز ذلك وهو الصحيح ، لأن مقصود الشركة تصرفهما في المالين جميعا ، وكون ربح المالين بينهما ؛ وهو حاصل في العروض كحصوله في النقود .
ويشترط لصحة شركة العنان أن يشترطا لكل من الشريكين جزءا من الربح مشاعا معلوما كالثلث والربع ؛ لأن الربح مشترك بينهما ؛ فلا يتميز نصيب كل منهما إلا بالاشتراط والتحديد ، فلو كان نصيب كل منهما من الربح مجهولا ، أو شرط لأحدهما ربح شيء معين من المال ، أو ربح وقت معين ، أو ربح سفرة معينة ؛ لم يصح في جميع هذه الصور ؛ لأنه قد يربح المعين وحده ، وقد لا يربح ، وقد لا يحصل غير الدراهم المعينة ، وذلك يفضي إلى النزاع وضياع تعب أحدهما دون الآخر ، وذلك مما تنهى عنه الشريعة السمحة ؛ لأنها جاءت بدفع الغرر والضرر .
باب في أحكام شركة المضاربة
شركة المضاربة سميت بذلك أخذا من الضرب في الأرض ، وهو السفر للتجارة ، قال الله - تعالى - : وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ؛ أي : يطلبون رزق الله في المتاجر والمكاسب ، ومعنى المضاربة شرعا : دفع مال معلوم لمن يتجر به ببعض ربحه .
وهذا النوع من التعامل جائز بالإجماع ، وكان موجودا في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأقره ، وروي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وغيرهم ، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة - رضي الله عن الجميع .
والحكمة تقتضي جواز المضاربة بالمال ؛ لأن الناس بحاجة إليها ؛ لأن الدراهم والدنانير لا تنمو إلا بالتقليب
والتجارة .
قال العلامة ابن القيم : " المضارب أمين وأجير ووكيل وشريك ، فأمين إذا قبض المال ، ووكيل إذا تصرف فيه ، وأجير فيما يباشره بنفسه من العمل ، وشريك إذا ظهر فيه الربح ، ويشترط لصحة المضاربة تقدير نصيب العامل ؛ لأنه يستحقه بالشرط " .
وقال ابن المنذر : " أجمع أهل العلم على أن للعامل أن يشترط على رب المال ثلث الربح أو نصفه أو ما يجمعان عليه بعد أن يكون ذلك معلوما جزءا من أجزاء ، فلو سمى له كل الربح أو دراهم معلومة أو جزءا مجهولا ؛ فسدت " انتهى .
وتعيين مقدار نصيب العامل من الربح يرجع إليهما : فلو قال رب المال للعامل : اتجر به والربح بيننا ؛ صار لكل منهما نصف الربح ؛ لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة لا مرجح لأحدهما على الآخر فيها ، فاقتضى ذلك التسوية في
الاستحقاق ، كما لو قال : هذه الدار بيني وبينك ؛ فإنها تكون بينهما نصفين . وإن قال رب المال للعامل : اتجر به ولي ثلاثة أرباع ربحه أو ثلثه ، أو قال له : اتجر به ولك ثلاثة أرباع ربحه أو ثلثه ؛ صح ذلك ؛ لأنه متى علم نصيب أحدهما ؛ أخذه ، والباقي للآخر ؛ لأن الربح مستحق لهما ، فإذا قدر نصيب أحدهما منه ؛ فالباقي للآخر بمفهوم اللفظ ، وإن اختلفا لمن الجزء المشروط ؛ فهو للعامل ، قليلا كان أو كثيرا ؛ لأنه يستحقه بالعمل ، وهو يقل ويكثر ؛ فقد يشترط له جزء قليل لسهولة العمل ، وقد يشترط له جزء كثير لصعوبة العمل ، وقد يختلف التقدير لاختلاف العاملين في الحذق وعدمه ، وإنما تقدر حصة العامل بالشرط ؛ بخلاف رب المال ؛ فإنه يستحقه بماله لا بالشرط .
وإذا فسدت المضاربة ؛ فربحها يكون لرب المال ؛ لأنه نماء ماله ، ويكون للعامل أجرة مثله ؛ لأنه إنما يستحق بالشرط ، وقد فسد الشرط تبعا لفساد المضاربة .
وتصح المضاربة مؤقتة بوقت محدد ؛ بأن يقول رب المال : ضاربتك على هذه الدراهم لمدة سنة . وتصح المضاربة معلقة بشرط ؛ كأن يقول صاحب المال : إذا جاء شهر كذا ؛ فضارب بهذا المال ، أو يقول : إذا قبضت مالي من زيد ؛ فهو معك مضاربة ؛ لأن المضاربة إذن في التصرف ، فيجوز تعليقه على شرط مستقبل .
ولا يجوز للعامل أن يأخذ مضاربة من شخص آخر إذا كان ذلك يضر بالمضارب الأول إلا بإذنه ، وذلك كأن يكون المال الثاني كثيرا يستوعب وقت العامل فيشغله عن التجارة بمال الأول ، أو يكون مال المضارب الأول كثيرا يستوعب وقته ومتى اشتغل عنه بغيره تعطلت بعض تصرفاته فيه ، فإن أذن الأول ، أو لم يكن عليه ضرر ؛ جاز للعامل أن يضارب لآخر .
وإن ضارب العامل لآخر مع ضرر الأول بدون إذنه ؛ فإن العامل يرد حصته من ربحه في مضاربته مع الثاني في شركته مع المضارب الأول ، فيدفع لرب المضاربة الثانية نصيبه من الربح ، ويؤخذ نصيب العامل ، ويضم لربح المضاربة الأولى ، ويقسم بينه وبين صاحبها على ما شرطاه ؛ لأن منفعة العامل المبذولة في المضاربة الثانية قد استحقت في المضاربة الأولى .
ولا ينفق العامل من مال المضاربة لا لسفر ولا لغيره ؛ إلا إذا اشترط على صاحب المال ذلك ؛ لأنه يعمل في المال بجزء من ربحه ؛ فلا يستحق زيادة عليه إلا بشرط ؛ إلا أن يكون هناك عادة في مثل هذا فيعمل بها .
ولا يقسم الربح في المضاربة قبل إنهاء العقد بينهما إلا بتراضيهما ؛ لأن الربح وقاية لرأس المال ، ولا يؤمن أن يقع خسارة في بعض المعاملة ، فتجبر من الربح ، وإذا قسم الربح مع بقاء عقد المضاربة ؛ لم يبق رصيد يجبر منه الخسران ؛ فالربح وقاية لرأس المال ، لا يستحق العامل منه شيئا إلا بعد كمال رأس المال .
والعامل أمين يجب عليه أن يتقي الله فيما ولي عليه ، ويُقبل قوله فيما يدعيه من تلف أو خسران ، ويصدَّق فيما يذكر أنه اشتراه لنفسه لا للمضاربة أو اشتراه للمضاربة لا لنفسه ؛ لأنه مؤتمن على ذلك ، والله أعلم .
باب في شركات الوجوه والأبدان والمفاوضة
أولا : شركة الوجوه :
شركة الوجوه هي أن يشترك اثنان فأكثر فيما يشتريان بذمتيهما ، وما ربحا فهو بينهما على ما شرطاه ، سميت بذلك لأنها ليس لها رأس مال ، وإنما تبذل فيها الذمم والجاه وثقة التجار بهما ، فيشتريان ويبيعان بذلك ، ويقتسمان ما يحصل لهما من ربح على حسب الشرط ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : المسلمون على شروطهم .
وهذا النوع من الشركة يشبه شركة العنان ، فأعطي حكمها .
وكل واحد من الشريكين وكيل عن صاحبه وكفيل عنه بالثمن ؛ لأن مثل هذا النوع من الشركة على الوكالة والكفالة
ومقدار ما يملكه كل واحد منهما من هذه الشركة على حسب الشرط ؛ من مناصفة ، أو أقل ، أو أكثر .
ويتحمل كل واحد من الخسارة على قدر ما يملك في الشركة ، فمن له نصف الشركة ؛ فعليه نصف الخسارة ... وهكذا .
ويستحق كل من الشركاء من الربح على حسب الشرط من نصف أو ربع أو ثلث ؛ لأن أحدهما قد يكون أوثق وأرغب عند التجار وأبصر بطرق التجارة من الشخص الآخر ؛ ولأن عمل كل منهما قد يختلف عن عمل الآخر ، فيتطلع إلى زيادة نصيبه في مقابل ذلك ، فيرجع إلى الشرط الجاري بينهما في ذلك .
ولكل واحد من الشركاء في شركة الوجوه من الصلاحيات مثل ما للشركاء في شركة العنان .
ثانيا : شركة الأبدان :
شركة الأبدان هي أن يشترك اثنان فأكثر فيما يكتسبان بأبدانهما ، سميت بذلك لأن الشركاء بذلوا أبدانهم في الأعمال لتحصيل المكاسب ، واشتركوا فيما يحصلون عليه من كسب .
ودليل جواز هذا النوع من الشركة عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ؛ قال : ( اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر ، فجاء سعد بأسيرين ، ولم أجئ أنا وعمار بشيء ) . قال أحمد : " أشرك بينهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فدل هذا الحديث على صحة الشركة في مكاسب الأبدان " .
وإذا تم الاتفاق بينهم على ذلك ؛ فما تقبله أحدهم من عمل ؛ لزم بقية الشركاء فعله ، فيطالب كل واحد بما تقبله شريكه من أعمال ؛ لأن هذا هو مقتضاها .
وتصح شركة الأبدان ولو اختلفت صنائع المشتركين ؛ كخياط مع حداد ... وهكذا ، ولكل واحد من الشركاء أن يطالب بأجرة العمل الذي تقبله هو أو صاحبه ، ويجوز للمستأجر من أحدهم دفع الأجرة إلى أي منهم ؛ لأن كل واحد منهم كالوكيل عن الآخر ، فما يحصل لهم من العمل أو الأجرة ؛ فهو مشترك بينهم .
وتصح شركة الأبدان في تملك المباحات ؛ كالاحتطاب ، وجمع الثمار المأخوذة من الجبال ، واستخراج المعادن .
وإن مرض أحد شركاء الأبدان ؛ فالكسب الذي تحصل عليه الآخر بينهما ؛ لأن سعدا وعمارا وابن مسعود اشتركوا ، فجاء سعد بأسيرين وأخفق الآخران ، وشرك بينهم النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وإن طالب الصحيح المريض بأن يقيم مقامه من يعمل ؛ لزمه ذلك ؛ لأنهما دخلا على أن يعملا ، فإذا تعذر على أحدهما العمل بنفسه ؛ لزمه أن يقيم مقامه من يعمل بدلا عنه ، لتوفية العقد حقه ، فإن امتنع العاجز عن العمل من إقامة من يعمل بدله بعد مطالبته بذلك ؛ فلشريكه أن يفسخ عقد الشركة .
وإن اشترك أصحاب دواب أو سيارات على أن يحملوا عليها بالأجرة ، وما حصلوا عليه فهو بينهم ؛ صح ذلك ؛ لأنه نوع من الاكتساب ، ويصح أيضا دفع دابة أو سيارة لمن يعمل عليها ، وما تحصل من كسب ؛ فهو بينهما ، وإن اشترك ثلاثة من أحدهم دابة ومن الآخر آلة ومن الثالث العمل على أن ما تحصل فهو بينهم ؛ صح ذلك .
وتصح شركة الدلالين بينهم إذا كانوا يقومون بالنداء على بيع السلع وعرضها وإحضار الزبون ، وما تحصل ؛ فهو بينهم .
ثالثا : شركة المفاوضة :
وشركة المفاوضة هي أن يفوض كل من الشركاء إلى صاحبه كل تصرف مالي وبدني من أنواع الشركة ؛ فهي الجمع بين شركة العنان والمضاربة والوجوه والأبدان ، أو يشتركون في كل ما يثبت لهم وعليهم .
ويصح هذا النوع من الشركة ؛ لأنه يجمع أنواعا يصح كل منها منفردا فيصح إذا جمع مع غيره .
والربح يوزع في هذه الشركة على ما شرطوا ، ويتحملون من الخسارة على قدر ملك كل واحد منهم من الشركة بالحساب .
وهكذا شريعة الإسلام وسعت دائرة الاكتساب في حدود المباح ، فأباحت للإنسان أن يكتسب منفردا ومشتركا مع غيره ، وعاملت الناس حسب شروطهم ما لم تكن شروطا جائرة محرمة ؛ مما به يعلم صلاحية هذه الشريعة لكل زمان ومكان .
نسأل الله أن يرزقنا التمسك بها والسير على نهجها ؛ إنه سميع مجيب .
كتاب المزارعة والمساقاة والإجارة
باب في أحكام المزارعة والمساقاة
المساقاة والمزارعة من جملة الأعمال التي يزاولها الناس من قديم الزمان ؛ لحاجتهم إليهما ، فقد يكون في ملك الإنسان شجر لا يستطيع القيام عليه واستثماره ، أو تكون له أرض زراعية لا يستطيع العمل عليها واستغلالها ، وعند آخر القدرة على العمل وليس في ملكه شجر ولا أرض ، ومن ثم أبيحت المزارعة والمساقاة لمصلحة الطرفين ، وهكذا كل التعامل الشرعي قائم على العدل وتحقيق المصالح ودفع المفاسد .
فالمساقاة عرفها الفقهاء : بأنها دفع شجر مغروس أو شجر غير مغروس مع أرض إلى من يغرسه فيها ويقوم بسقيه وما يحتاج إليه حتى يثمر ، ويكون للعامل جزء مشاع من ثمر ذلك الشجر والباقي لمالكه .
والمزارعة : دفع أرض لمن يزرعها ، أو دفع أرض وحب لمن يزرعه فيها ويقوم عليه ، بجزء مشاع منه ، والباقي لمالك الأرض .
وقد يكون الجزء المشروط في المساقاة والمزارعة لمالك الأرض أو الشجر والباقي للعامل .
والدليل على جواز المساقاة والمزارعة حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع ، متفق عليه ، وروى مسلم : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفع إلى يهود خيبر نخلها وأرضها على أن يعملوها من أموالهم ولهم شطر ثمرها ؛ أي : نصفه ، وروى الإمام أحمد : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفع إلى أهل خيبر أرضها ونخلها مقاسمة على النصف ، فدل هذا الحديث على صحة المساقاة .
قال الإمام ابن القيم : " وفي قصة خيبر دليل على جواز المساقاة والمزارعة بجزء من الغلة من ثمر أو زرع ؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر ، واستمر على ذلك إلى حين وفاته ، ولم ينسخ ألبتة ، واستمر عمل الخلفاء الراشدين عليه ، وليس من باب المؤاجرة ، بل من باب المشاركة ، وهو نظير المضاربة سواء " انتهى .
وقال الموفق بن قدامة : " وهذا عمل به الخلفاء الراشدون مدة خلافتهم ، واشتهر ذلك ، فلم ينكر ، فكان إجماعا ، قال : " ولا يجوز التعويل على ما خالف الحديث والإجماع ، وكثير من أهل النخيل والشجر يعجزون عن عمارته وسقيه ولا يمكنهم الاستئجار عليه ، وكثير من الناس لا شجر لهم ويحتاجون إلى الثمر ؛ ففي تجويزها دفع الحاجتين وتحصيل لمصلحة الفئتين " انتهى .
وقد ذكر الفقهاء - رحمهم الله - أنه يشترط لصحة المساقاة أن يكون الشجر المساقى عليه له ثمر يؤكل ؛ فلا يصح على شجر لا ثمر له ، أو له ثمر لا يؤكل ؛ لأن ذلك غير منصوص عليه .
ومن شروط صحة المساقاة تقدير نصيب العامل أو المالك بجزء معلوم مشاع من الثمرة ؛ كالثلث والربع ، سواء قل الجزء المشروط أو كثر ، فلو شرطا كل الثمرة لأحدهما ؛ لم يصح ؛ لاختصاص أحدهما بالغلة ، أو شرطا آصعا معلومة من الثمرة ؛ كعشرة آصع ، أو عشرين صاعا ؛ لم تصح ؛ لأنه قد لا يحصل إلا ذلك ، فيختص به من شرط له دون الآخر ، وكذا لو شرط له في المساقاة دراهم معينة ؛ لم تصح ؛ لأنه قد لا يحصل من الغلة ما يساويها ، وكذا لو شرط لأحدهما ثمرة شجرة معينة أو أشجار معينة ؛ لم تصح المساقاة ؛ لأنه قد لا يحصل من الشجر غير تلك المعينة ، فيختص بالغلة أحدهما دون الآخر ، أو لا تحمل تلك الشجرة أو الأشجار المعينة ، فينحرم الشروط له من الغلة ، ويحصل الغرر والضرر .
والصحيح الذي عليه الجمهور أن المساقاة عقد لازم لا يجوز فسخها إلا برضى الآخر .
ولا بد من تحديد مدتها ، ولو طالت ، مع بقاء الشجر .
ويلزم العامل كل ما فيه صلاح الثمرة ؛ من حرث ، وسقي ، وإزالة ما يضر الشجر والثمرة من الأغصان ، وتلقيح النخل ، وتجفيف الثمر ، وإصلاح مجاري الماء ، وتوزيعه على الشجر .
وعلى صاحب الشجر ما يحفظ الأصل - وهو الشجر - ؛ كحفر البئر ، وبناء الحيطان ، وتوفير الماء في البئر ... ونحو ذلك ، وعلى المالك كذلك تحصيل المواد التي تقوي الأشجار كالسماد ونحوه .
وليس دفع الحب مع الأرض شرطا في صحة المزارعة ، فلو دفع إليه الأرض فقط ليزرعها العامل ببذر من عنده ؛ صح ذلك ؛ كما هو قول جماعة من الصحابة ، وعليه عمل الناس ، ولأن الدليل الذي استفيد منه حكم المزارعة هو حديث معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل خيبر بشطر ما يخرج منها ، ولم يرد في هذا الحديث أن البذر على المسلمين .
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : " والذين اشترطوا البذر من رب الأرض قاسوها على المضاربة ، وهذا القياس مع أنه مخالف للسنة الصحيحة وأقوال الصحابة ؛ فهو من أفسد القياس ؛ فإن المال في المضاربة يرجع إلى صاحبه ، ويقسمان الربح ؛ فهذا نظير الأرض في المزارعة ، وأما البذر الذي لا يعود نظيره إلى صاحبه ، بل يذهب كما يذهب نفع الأرض ؛ فإلحاقه بالأصل الذاهب أولى من إلحاقه بالأصل الباقي " انتهى .
والمزارعة مشتقة من الزرع ، وتسمى مخابرة ومواكرة ، والعامل فيها يسمى مزارعا ومخابرا ومواكرا .
والدليل على جوازها السنة المطهرة الصحيحة كما سبق ، والحاجة داعية إلى جوازها ؛ لأن من الناس من يملك أرضا زراعية ولا يستطيع العمل فيها ، ومن الناس من يستطيع العمل في الزراعة ولا يملك أرضا زراعية ؛ فاقتضت الحكمة التشريعية جواز المزارعة ؛ لينتفع الطرفان : هذا بأرضه ، وهذا بعمله ، وليحصل التعاون على تحصيل المصلحة ودفع المضرة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - يرحمه الله - : " المزارعة آصل من الإجارة ؛ لاشتراكهما في المغنم والمغرم " .
وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : " هي أبعد عن الظلم والضرر من الإجارة ؛ فإن أحدهما غانم ولا بد ( يعني : في الإجارة ) وأما المزارعة ؛ فإن حصل الزرع ؛ اشتركا فيه ، وإلا ؛ اشتركا في الحرمان " .
ويشترط لصحة المزارعة بيان مقدار ما للعامل أو لصاحب الأرض من الغلة ، وأن يكون جزءا مشاعا منها ؛ كثلث ما يخرج من الأرض أو ربعه ونحو ذلك ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها ، وإذا عرف نصيب أحدهما ؛ فالباقي يكون للآخر ؛ لأن الغلة لهما ، فإذا عين نصيب أحدهما ؛ تبين نصيب الآخر ، ولو شرط لأحدهما آصعا معلومة كعشرة آصع أو زرع ناحية معينة من الأرض والباقي للآخر ؛ لم تصح ، أو اشترط صاحب الأرض أن يأخذ مثل بذره ويقتسمان الباقي ، لم تصح المزارعة ؛ لأنه قد لا يخرج من الأرض إلا ذلك ، فيختص به دون الآخر ، ولحديث رافع بن خديج - رضي الله عنه - ، قال : ( كراء الأرض بالذهب والفضة لا بأس به ، كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الماذيانات وإقبال الجداول وأشياء من الزرع ، فيهلك هذا ويسلم هذا ، ولم يكن للناس كراء إلا هذا ؛ فلذلك زجر عنه ) ؛ يعني : النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك لما فيه من الضرر المؤدي إلى التشاجر وأكل أموال الناس بالباطل ، فدل الحديث على تحريم المزارعة على ما يُفضي إلى الضرر والجهالة ويوجب المشاجرة بين الناس .
قال ابن المنذر : " قد جاءت الأخبار عن رافع بعلل تدل على أن النهي كان لتلك العلل ، وهي التي كانوا يعتادونها " قال : " كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه ، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه " انتهى .
باب في أحكام الإجارة
هذا العقد يتكرر في حياة الناس في مختلف مصالحهم وتعاملهم اليومي والشهري والسنوي ؛ فهو جدير بالتعرف على أحكامه ؛ إذ ما من تعامل يجري بين الناس في مختلف الأمكنة والأزمان ، إلا وهو محكوم بشريعة الإسلام وفق ضوابط شرعية ترعى المصالح وترفع المضار .
والإجارة مشتقة من الأجر ، وهو العوض ، قال تعالى : لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا .
وهي شرعا : عقد على منفعة مباحة من عين معينة أو موصوفة في الذمة مدة معلومة ، أو على عمل معلوم بعوض معلوم .
وهذا التعريف مشتمل على غالب شروط صحة الإجارة وأنواعها :
فقولهم : " عقد على منفعة " : يخرج به العقد على الرقبة ؛ فلا يسمى إجارة ، وإنما يسمى بيعا .
وقولهم : " مباحة " : يخرج به العقد على المنفعة المحرمة ؛ كالزنى .
وقولهم : " معلومة " : يخرج به المنفعة المجهولة ؛ فلا يصح العقد عليها .
- وقولهم : " من عين معينة أو موصوفة في الذمة أو عمل معلوم " : يؤخذ منه أن الإجارة على نوعين :
النوع الأول : أن تكون الإجارة على منفعة عين معينة أو عين موصوفة : مثال المعينة : آجرتك هذه الدار ، ومثال الموصوفة : آجرتك بعيرا صفته كذا للحمل أو الركوب .
النوع الثاني : أن تكون الإجارة على أداء عمل معلوم ؛ كأن يحمله إلى موضع كذا ، أو يبني له جدارا .
- وقولهم : مدة معلومة " ؛ أي : يشترط أن تكون الإجارة على المنفعة لمدة محددة ؛ كيوم أو شهر .
- وقولهم : " بعوض معلوم " ؛ معناه : أنه لا بد أن يكون مقدار الإجارة معلوما .
وبهذا يتضح أن مجمل شروط صحة الإجارة بنوعيها : أن يكون عقد الإجارة على المنفعة لا على العين ، وأن تكون المنفعة مباحة ، وأن تكون معلومة ، وإذا كانت الإجارة على عين غير معينة ؛ فلا بد أن تكون مما ينضبط بالوصف ، وأن تكون مدة الإجارة معلومة ، وأن يكون العوض في الإجارة معلوما أيضا .
والإجارة الصحيحة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع :
- قال تعالى : فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ، وقال تعالى : لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا .
- وقد استأجر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يدله الطريق في سفره للهجرة .
- وقد حكى ابن المنذر الإجماع على جوازها .
والحاجة تدعو إليها ؛ لأن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان .
ويصح استئجار الآدمي لعمل معلوم ؛ كخياطة ثوب ، وبناء جدار ، أو ليدله على طريق ؛ كما ثبت في " صحيح البخاري " عن عائشة - رضي الله عنها - في حديث الهجرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استأجر هو وأبو بكر - رضي الله عنه - عبد الله بن أريقط الليثي ، وكان هاديا خرِّيتا والخريت هو الماهر بالدلالة .
ولا يجوز تأجير الدور والدكاكين والمحلات للمعاصي ؛ كبيع الخمر ، وبيع المواد المحرمة ؛ كبيع الدخان والتصوير ؛ لأن ذلك إعانة على المعصية .
ويجوز للمستأجر أن يؤجر ما استأجره لآخر يقوم مقامه في استيفاء المنفعة لأنها مملوكة له ، فجاز له أن يستوفيها بنفسه وبنائبه ، لكن بشرط أن يكون المستأجر الثاني مثل المستأجر الأول في استيفاء المنفعة أو دونه ، لا أكثر منه ضررا ؛ كما لو استأجر دارا للسكنى ؛ جاز أن يؤجرها لغيره للسكنى أو دونها ، ولا يجوز أن يؤجرها لمن يجعل فيها مصنعا أو معملا .
ولا تصح الإجارة على أعمال العبادة والقربة ؛ كالحج ، والأذان ؛ لأن هذه الأعمال يتقرب بها إلى الله ، وأخذ الأجرة عليها يخرجها عن ذلك ، ويجوز أخذ رزق من بيت المال على الأعمال التي يتعدى نفعها ؛ كالحج والأذان والإمامة وتعليم القرآن والفقه والقضاء والفتيا ؛ لأن ذلك ليس معاوضة ، وإنما هو إعانة على الطاعة ، ولا يخرجه ذلك عن كونه قربة ، ولا يخل بالإخلاص .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " والفقهاء متفقون على الفرق بين الاستئجار على القرب وبين رزق أهلها ؛ فرزق المقاتلة والقضاة والمؤذنين والأئمة جائز بلا نزاع ، وأما الاستئجار ؛ فلا يجوز عند أكثرهم " ، وقال أيضا : " وما يؤخذ من بيت المال ؛ فليس عوضا وأجرة ، بل رزقا للإعانة على الطاعة ، فمن عمل منهم لله ؛ أثيب ، وما يأخذه رزق للإعانة على الطاعة " .
ما يلزم كلًّا من المؤجر والمستأجر :
فيلزم المؤجر بذل كل ما يتمكن به المستأجر من الانتفاع بالمؤجَّر ، كإصلاح السيارة المؤجرة وتهيئتها للحمل والسير ، وعمارة الدار المؤجرة وإصلاح ما فسد من عمارتها وتهيئة مرافقها للانتفاع .
وعلى المستأجر عندما ينتهي أن يزيل ما حصل بفعله .
والإجارة عقد لازم من الطرفين - المؤجر والمستأجر - لأنها نوع من البيع ، فأعطيت حكمه ، فليس لأحد الطرفين فسخها إلا برضى الآخر ؛ إلا إذا ظهر عيب لم يعلم به المستأجر حال العقد ؛ فله الفسخ .
ويلزم المؤجِّر أن يسلم العين المؤجرة للمستأجِر ، ويمكِّنه من الانتفاع بها ، فإن أجَّره شيئا ومنعه من الانتفاع به كل المدة أو بعضها ؛ فلا شيء له من الأجرة ، أو لا يستحقها كاملة ؛ لأنه لم يسلم له ما تناوله عقد الإجارة ، فلم يستحق شيئا ، وإذا مكَّن المستأجر من الانتفاع ، لكنه تركه كل المدة أو بعضها ؛ فعليه جميع الأجرة ؛ لأن الإجارة عقد لازم ، فترتب مقتضاها ، وهو ملك المؤجر الأجرة ، وملك المستأجر المنافع .
وينفسخ عقد الإجارة بأمور :
أولا : إذا تلفت العين المؤجرة : كما لو أجره دوابه فماتت ، أو استأجر دارا فانهدمت ، أو اكترى أرضا لزرع فانقطع ماؤها .
ثانيا : وتنفسخ الإجارة أيضا بزوال الغرض الذي عقدت من أجله ؛ كما لو استأجر طبيبا ليداويه فبرئ ؛ لتعذر استيفاء المعقود عليه .
ومن استؤجر لعمل شيء فمرض ؛ أقيم مقامه من ماله من يعمله نيابة عنه ؛ إلا إذا اشترط مباشرته العمل بنفسه ؛ لأن المقصود قد لا يحصل بعمل غيره ؛ فلا يلزم حينئذ المستأجر قبول عمل غيره ، لكن يخير حينئذ المستأجِر بين الصبر والانتظار حتى يبرأ الأجير وبين الفسخ لتعذر وصوله إلى حقه .
والأجير على قسمين : خاص ومشترك : فالأجير الخاص هو من استؤجر مدة معلومة يستحق نفعه في جمعها لا يشاركه فيها أحد ، والمشترك هو من قدر نفعه بالعمل ولا يختص به واحد بل يتقبل أعمالا لجماعة في وقت واحد
فالأجير الخاص لا يضمن ما جنت يده خطأ ؛ كما لو انكسرت الآلة التي يعمل بها ؛ لأنه نائب عن المالك ، فلم يضمن ؛ كالوكيل ، وإن تعدى أو فرط ؛ ضمن ما تلف .
أما الأجير المشترك ؛ فإنه يضمن ما تلف بفعله ؛ لأنه لا يستحق إلا بالعمل ؛ فعمله مضمون عليه ، وما تولد عن المضمون فهو مضمون .
وتجب أجرة الأجير بالعقد ، ولا يملك المطالبة بها إلا بعدما يسلم العمل الذي في ذمته ، أو استيفاء المنفعة ، أو تسليم العين المؤجرة ومضي المدة مع عدم المانع ؛ لأن الأجير إنما يوفى أجره إذا قضى عمله أو ما في حكمه ، ولأن الأجرة عوض ؛ فلا تستحق إلا بتسليم المعوض .
هذا ويجب على الأجير إتقان العمل وإتمامه ، ويحرم عليه الغش في العمل والخيانة فيه ، كما يجب عليه أيضا مواصلة العمل في المدة التي استؤجر فيها ، ولا يفوِّت شيئا منها بغير عمل ، وأن يتقي الله في أداء ما عليه .
ويجب على المستأجر إعطاء أجرته كاملة عندما ينهي عمله ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه .
فعمل الأجير أمانة في ذمته ، يجب عليه مراعاتها بإتقان العمل وإتمامه والنصح فيه ، وأجرة الأجير دين في ذمة المستأجر ، وحق واجب عليه ، يجب عليه أداؤه من غير مماطلة ولا نقص .
|