عرض مشاركة واحدة
منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز
قديم 23-02-2009, 09:32 PM   #3

المسلم العربي

مشرف سابق

الصورة الرمزية المسلم العربي

 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
التخصص: لغات - إنجليزي
نوع الدراسة: إنتظام
المستوى: السادس
الجنس: ذكر
المشاركات: 2,459
افتراضي رد: الفهم الجديد للنصوص

وانظر في فتاويهم:
هذا جمال البنا يقول: ((لا لزوم للحجاب، وشعر المرأة ليس عورة)).
الفتوى الثانية: ((ليس في القرآن والسنَّة أمر بالحجاب)).
الفتوى الثالثة: ((ارتداء المرأة للبنطلون أكثر حشمة وسترة)).
رابعة: ((الاختلاط ضروري، ومن الطبيعة والفطرة لأنَّ الفصل بين الجنسين عملية وحشية)).
فتوى خامسة: ((رضاء الطرفين وتوافقهما كاف لصحة الزواج، فلا شهود، ولا مهر، ولا ولي)).
((لا يقع طلاق الرجل منفردًا بدون موافقة زوجته)).
جمال البنا: ((المرأة الأكثر علمًا تؤم الرجال في الصلاة)).

هذه القراءة الجديدة للنص تحمل إمكانية تغيير الدين الذي عرفته الأمة تغييرًا كاملًا، تغيير المنهج، ويسمونه الإسلام اليوم؛ لأنَّه غير الإسلام الأمس، تجديد هذه القضية الآن عصرنة وقضية تجديد، إذن هذه المسألة خطوات واحدة وراء واحدة؛ لأنَّه عندهم أنَّ الإسلام بالأمس غير الإسلام باليوم غير الإسلام في بالغد.

ومن الملاحظات العامة على أصحاب هذا المنهج: التشدق بالألفاظ، والتعمق في المصطلحات بقصد الإغراب والاستفزاز، واستعراض الذات، فترى في كلامهم كثيرًا من استعمال (وِيَّة) كثيرًا، (الإسلاموية، السلفوية، الأصولوية، النفطوية، الماضوية، الرسموية، التاريخوية، الأخلاقوية)، وهذه ممكن تكون أول كلمة مفهومة، والـ (وية) prefix and suffix، لكن إذا جئت إلى المصطلحات الأخرى: (الغنوصية والإبستمولوجية، والإمبريقوية، والأنثنة، والمستقبلوية، والأنثولوجية، والبلشفاوية والديانكتكاوية، والزمكانوية، والمكانزماتية، والهرمنطوقية، والديماغوجية) كثيرة في كلامهم، فهؤلاء كيف نعرفهم؟ فمن طرق معرفتهم أن تجد هذه الألفاظ في كلامهم، ويسمون أنفسهم متنورين، الإسلام المستنير، عصرانيين، عصرنة الإسلام، وهكذا.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل)). رواه الترمذي وهو حديث حسن، وكلامهم فيه من هذا الجدل كثير، حتى مترجم كتب محمد أركون –هو كاتب فرنسي– هاشم صالح يعترف في مقدمته لكتاب "أين هو الفكر الإسلامي المعاصر" بأنَّه لم يستطع أن يفهم هذه المصطلحات إلا بعد عشر سنوات، وبعضها بعد ثلاث سنوات من الدراسة في المعاهد الفرنسية، فهؤلاء القوم تُعجبهم هذه الألفاظ والمصطلحات وخصوصًا كلمة (لوجيا)، ولذلك يختالون بها كالطواويس، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إنَّ أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان))، ويتشدقون بها كثيرًا، ولو أنَّ أحدًا ذكر لنا هذه القصة التالية التي تشبه حال هؤلاء المتشدقين لم يكن كلامه بعيدًا عن الحال:
(كان في قديم الزمان خياط، أصابت حرفته الكساد، فسافر يلتمس رزقه في بلاد الله الواسعة، فحط عصا ترحاله في مدينة من المدن، ولأنَّه كان ألمعيا فقد أوعز إلى ابنه الذي كان يرافقه أن يشيع في المدينة أنَّ أبي يخيط ما لا قِبل للناس به، فتناهت الأخبار إلى رئيس المدينة، ولأنَّ هذا الرئيس لا يحب أن يسبقه غيره إلى شيء نادر أو تحفة طريفة فقد أرسل سريعًا في طلب الخياط، فكان هذا الحوار:
- من أنت؟
- خياط.
- ما هذا الذي يقوله الناس عنك؟
- صحيح يا مولاي، أنا أخيط ما لا يحسنه غيري، وأستطيع أن أخيط كسوة لا يراها إلا الأذكياء، والبلداء عنها عمون.
الرئيس: إن لم تصنعها لي أو صنعتها لأحد قبلي قطعت رأسك.
فانصرف الخياط إلى أجل مسمى، وانقلب للحسنيين: جناح في قصر، وأمر لخازن المال ألا يعصي له أمرًا من أجل إنجاز العمل.
ومضى الأجل ولم يحضر الخياط، فطافت الشكوك، فأرسل الرئيس حاجبه ليستطلع الأمر، فلما مثل بين يدي الخياط وجده منكبًّا على ثوب لا يراه هو، وجعل يتعجب من الزر غير المرئي الذي يناوله الخياط لابنه، ويشتد عجبه أكثر من هذا الصبي الذي يقلب الزر في يده ثم يثبته في صدر الثوب غير المرئي، أيكون الصبي يبصر الزر والثوب؛ لأنه ذكي، ويكون الحاجب (...)، وفي الطريق استقر رأي الحاجب على ما لا بد له منه.

فقال له الرئيس: هل رأيت الثوب بعينك؟
قال: نعم يا سيدي، وما رأيت في الدنيا أحسن، لله دره من خياط!

ثم يأتي من عنده ممن يستشيره ليكون الكلام نفسه بعد عودته من الخياط، هل يكون الحاجب أذكى منه؟ فسئل: هل رأيت الثوب بعينك؟
نعم يا سيدي، وما رأيت في الدنيا أحسن منه، لله دره من خياط.

ثم جاءت الزوجة، لتقول الشيء نفسه، فهل تكون أقل منهم؟ يعني هي البليدة وأولئك هم الأذكياء؟

وهكذا حتى جاء الاحتفال، وخرج ذلك في كامل زينته التي لا يراها إلا الأذكياء، وتعالت صيحات الناس استحسانًا وإعجابًا إلا طفل صغير، يضغط على كف أمه ويقول لها: انظري أمي إلى هذا يسير عاريًا، ولكن لما كان الطفل قليل العقل غبيا فقد حرم من رؤية الكسوة).

وهكذا حال هؤلاء الكتاب الذين يكتبون كتابات رمزية، طبعًا أيش المقصود من القصة يا إخوان؟ أنَّ كتابات بعض هؤلاء عندما تقرأ أنت أحيانا لا تفهم، فيظن بعض الناس أنَّ هذا الكلام ما يفهمه إلا الأذكياء، ولأنِّي أنا لست مثقفًا فأنا لا أفهمه، الكتاب الحداثيون وهؤلاء الكتاب الذين يكتبون من هذا الجنس، بعض الناس يظن أنَّه لا يفهم كلامه لأنَّه ليس بذكي أو ليس بمثقف، أما الحقيقة فهي أن الكاتب نفسه تعمد الإغراب والرمزية في الكتابة؛ لأنَّهم لا يريدون لإنسان فضح مقاصدهم من جهة، ومن جهة أخرى فهم يريدون أن يتميزوا عن الناس بشيء وأنَّهم الطبقة الأرقى، ولذلك يصغي بعضهم إلى بعض وكتاباتهم فيها من هذه السفسطة والغباء الشيء الكثير.

نعود الآن إلى معرفة الحق في هذه المسألة، وما أصول وقواعد أهل السنَّة والجماعة في فهم النصوص الشرعية:
أهل السنَّة والجماعة يعظمون النصوص؛ لأنَّها كلام ربهم وكلام رسولهم صلى الله عليه وسلم، فهم يأخذونها على الرأس والعين وهي عندهم مقدسة، فلا يرضون عنها بديلًا ولا تحويلًا، لا يتحولون عنها، وكذلك ثانيًا: يرجعون في فهمها إلى لغة العرب؛ لأنَّها نزلت بلسان العرب {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2]، {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 3]، {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 3]، وهذه الحكم الإلهية الموجودة في هذه النصوص من الكتاب والسنَّة النبوية إنَّما هي بهذه الألفاظ العربية، فلا بد من الرجوع إلى كلام العرب وقوانينهم في لغتهم لمعرفة معاني كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لأحد –كما يقول الشاطبي رحمه الله في "الاعتصام"– أن ينظر في هذه النصوص ويستقل بمعرفة معانيها واستخراج ما فيها ولا أن يتكلم بشيء حتى يكون عربيًّا -يعني على مستوى العرب الذين نزل القرآن بلغتهم- أو كالعربي في كونه عارفًا بلسان العرب، فإذا لم يبلغ ذلك فحسبه في فهم معاني القرآن التقليد –يقلد العلماء- إذا كان لا يعرف لغة العرب كيف سيستخرج ويفهم ويستنبط من الكتاب والسنَّة، ولذلك ميزة ابن عباس وابن مسعود، وميزة مجاهد وعكرمة، وميزة أحمد والشافعي ما هي؟ أنَّهم عارفون بلسان العرب، علماء باللغة العربية؛ ولذلك يستنبطون، ولذلك يستخرجون، ولذلك يفسرون ويشرحون.

قال الحسن عن قوم ضلوا في الفهم: ((أهلكتهم العجمة، يتأولونه على غير تأويله)).

قال شيخ الإسلام –رحمه الله–: ((ولا بد في تفسير القرآن والحديث من أن يُعرف ما يدل على مراد الله ورسوله من الألفاظ، وكيف يُفهم كلامه بدون معرفة اللغة العربية، فمعرفة العربية التي خوطبنا بها مما يعين على أن نفقه مراد الله ورسوله بكلامه، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني، فإنَّ عامة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب، يحملون كلام الله ورسوله على ما يدَّعون، لا على مراد الله ومراد رسوله)).

قال مالك –رحمه الله–: ((لا أُوتى برجل غير عالم بلغة العرب، يفسر كتاب الله إلَّا جعلته له نكالًا)) يعني عقوبة، وجاء عن مجاهد أنَّه قال: ((لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالمًا بلغات العرب))، قال الزهري: ((إنَّما أخطأ الناس في كثير من تأويل القرآن لجهلهم بلغة العرب))، قال أيوب السختياني: ((عامة من تزندق بالعراق لقلة علمهم بالعربية))؛ إذن فهم اللغة العربية مهم جدًا.

طيب لو جاء واحد، وقال: الإنسان يجوز أن يتزوج تسعة، يجتمعن عنده في وقت واحد، من أين جئت يا أخي بزواج التسعة، نحن نعرف أربعة؟ قال: من القرآن! وأين دليلك على زواج التسعة في وقت واحد؟ قال: قول الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] مجموعهن تسعة! آية واضحة، قال القرطبي: ((وهذا كله جهل باللسان؛ فإنَّ الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات، والعرب لا تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين وثلاثة وأربعة)). يعني: هذا عبث، يعني: لا يمكن لعربي يريد أن يقول مثلًا: هذه الدار لها تسعة، أبواب فيقول: هذه الدار لها بابان، وثلاثة، وأربعة، فهذا عبث عند العرب، هذا يعتبر إسفاف بالكلام، فلا يمكن أن يقوله عربي، قال: وكذلك العرب تستقبح أن يقول: أعطي فلانًا أربعة ستة ثمانية، ولا يقول: ثمانية عشر، فهذه لغة العرب، إذًا إذا أعطيت أحدًا ثمانية عشرة ريالًا تقول له: أعطيه أربعة ستة ثمانية؟! هذه في مباراة الكرة 4 2 4، لكن في لغة العرب لا تأتي، العدد لا يفهم بهذه الطريقة، فالمراد بالآية إذن التخيير بين تلك الأعداد لا الجمع، أنت تتزوج اثنتين أو ثلاثة أو أربعة وليس سواه، ولو أراد الجمع لقال تسع، ولم يعدل إلى ما هو أطول، والقرآن بليغ، والبلاغة تقتضي الإيجاز، فإذن هذا منافٍ للبلاغة.

وكذلك من زعم أنَّ المحرَّم في الخنزير هو اللحم، وأما شحم الخنزير حلال، لماذا ضل؟ لأنَّه لا يعرف أنَّ اللحم في اللغة العربية يطلق على الشحم، فهو لما سمع {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] حرم اللحم بس؛ هذا من جهله باللغة. ومن ظن أنَّ نبي الله يونس في قوله تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87] يعني: أن لن نستطيع، فهو جاهل باللغة، اتهم النبي يونس –عليه الصلاة والسلام– أنَّه يشك في قدرة الله، ومعنى ظن أن لن نقدر عليه أي: لن نضيق عليه. وكذلك من فهم من قوله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] فهِم كلمة رجالًا بالذكور، مع أنَّ رجالًا في الآية معناها المشاة، {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} يعني: مشاة أو ركبانًا، فلأنَّه جاهل باللغة العربية ما فهم من السياق هذا إلا أنَّ كلمة رجالًا تعني الذكور، ومن العجيب أنَّ بعضهم يكتب في التمائم للبنت التي ما تقدم لها أحد للزواج هذه الآية {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}، ويقول: هذه رقية تنفع للعانس.

قال الشاطبي –رحمه الله– في حال هؤلاء: ((تخرصهم على الكلام في القرآن والسنَّة العربيين مع العرو -يعني: عراة- عن علم العربية الذي يفهم به عن الله ورسوله، فيخالفون الراسخين في العلم وإنَّما أُتوا من باب الجهل بالعربية))، كما قال بعضهم في قوله تعالى: {رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} [آل عمران: 117] أيش يعني الصر؟ فثبت في آية أخرى صرصر، يعني: البرد الشديد، قالوا: الصراصير، هذا فهمهم.

ومن القواعد أيضًا ثالثًا:
وجوب الرجوع إلى منهج السلف في فهم النصوص الشرعية، فلو قال واحد: لماذا يجب علينا الرجوع إلى فهم السلف، أليسوا رجالا ونحن رجال؟ نقول: لكن فيهم ميزات غير موجودة فيمن بعدهم، {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} [النساء: 115] ما سبيل المؤمنين؟ سبيل الصحابة، سبيل من قال الله فيهم {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة: 100]، أمَّا إذا خالفوهم فليسوا من الذين اتبعوهم بإحسان، هذا الاتباع للسلف هو الذي يضبط الأمور، ولما نقول: الكتاب والسنَّة بفهم السلف لضبط الفوضى ولمنع حصولها، ثم إنَّه قد جاء الأمر من نبينا –عليه الصلاة والسلام– لقوله: ((من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا))، والله لقد رأينا الاختلاف الكثير، إعادة قراءة للنص!! قال: ((وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإنَّ كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة))، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

قال ابن القيم –رحمه الله–: ((قرَن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنَّة أصحابه بسنته، وأمر باتباعها كما أمر باتباع سنته، وبالغ في الأمر بها حتى أمر بأن يعض عليها بالنواجذ))، قال حذيفة: ((اتقوا الله يا معشر القراء، واحذوا طريق من كان قبلكم، فلعمري لئن اتبعتموه فلقد سبقتم سبقًا بعيدًا، ولئن تركتموه يمينًا وشمالًا لقد ضللتم ضلالًا بعيدًا)).
أسيرُ خلفَ ركابِ النُّجْبِ ذا عرج مؤملًا كشفَ ما لاقيتُ من عوجِ
فإن لحقتُ بهم من بعد ما سبقوا فكم لرب الورى في ذاك من فرجِ
وإن بقيتُ بظهر الأرض منقطعا فما على عَرِجٍ في ذاك من حرجِ
ماذا قال نبينا -عليه الصلاة والسلام-؟ قال: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))، رواه البخاري. يقدمون في العلم والفهم لأن لهم خيرية تقتضي أنهم أعلم وأوجب في الاتباع، وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة))، قالوا: ومن هي يا رسول الله، قال: ((ما أنا عليه وأصحابي)) حسنه الألباني.

إذن ما فيصل التفريق بين الحق والباطل؟
الفيصل هو اتباع الصحابة، ففيه جميع الميزات: علم اللسان العربي؟ موجود، عايشوا التنزيل؟ نعم، سمعوا من النبي – عليه الصلاة والسلام – مباشرة؟ كذلك، هم أعلم بمراد الله ومراد نبيه منَّا، كان فيهم فصاحة لسان، وتوَّقد أذهان، وحُسن إدراك، وجودة قصد، وتقوى لله، فالعربية طبيعتهم وطريقتهم، والمعاني الصحيحة مركوزة في خصالهم وعقولهم، ولذلك لا محيد ولا مناص من الرجوع إلى الصحابة في فهم النصوص، وليس إلى أركون ولا الشرفي ولا الجابري ولا من شايعهم وتابعهم من الأذناب.

قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ((كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة؟ فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين إنَّما أُنزل علينا القرآن فقرأناه وعلمنا فيمن نزل، وإنَّه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن ولا يدرون فيمن نزل، فيكون لهم فيه رأي، فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا))، وقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه معاني الكتاب والسنَّة، وقال لهم: ((قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)) هذه المحجة الناصعة: الطريق الواضح، لا خفاء فيه ولا لبس ولا إبهام، هذه التي ترك أصحابه عليها فسلكوها، ويجب علينا نحن أن نسلكها.

وهكذا كانت القرون الثلاثة الأولى من هذه الأمة، قد جمعوا الفضائل، وحازوا العلوم، وفهموا مراد الله ومراد رسوله، وهم بالصواب أحرى، وبالحق أولى، وبصحيح الفهم أليق.

قال ابن عباس في مناظرة الخوارج: ((أتيتكم من عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار، وعليهم نزل القرآن، وهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد)). أنتم طلعتم الآن نابتة، أنتم حاججتم فلا بد من التقيد بما أُثر عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والسنَّة. قال شيخ الإسلام: ((من فسر القرآن أو الحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين...)) –[حتى الإعجاز العلمي إذا ما تمسكوا بتفسير الصحابة ضالون]- قال شيخ الإسلام: ((من فسر القرآن أو الحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين - فهو مفترٍ على الله، ملحد في آيات الله، محرِّف للكلم عن مواضعه، وهذا فتح لباب الزندقة والإلحاد، وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام)) [الفتاوى].

إذن لا مناص من الأخذ بفهم الصحابة للكتاب والسنَّة، ولا بد أن يكون عندنا مرجعية لهؤلاء؛ فهم أئمة القرون وهم المفضلون.

رابعًا: لابد أن نرجع للقواعد والأصول التي وضعها السلف في فهم النصوص:
وضعوا القواعد –يعني مثلًا– جمع النصوص في المسألة الواحدة، وستأتي أمثلة. شن أصحاب إعادة قراءة النص على من ذكر قواعد السلف في الفهم والتفسير شنوا الحملات عليهم، فمن أوَّل من ألف في أصول الفقه؟ وبيَّن قواعد السلف في فهم النصوص؟ الشافعي –رحمه الله– في كتابه "الرسالة"، هذا نحن نعرفه، يقول هؤلاء –ورأسهم أركون–: ((إنَّ الإمام الشافعي في كتابه "الرسالة" قد أسهم في سجن العقل الإسلامي داخل أسوار منهجية المعاينة))، وقال: ((وليست رسالته إلا الحيلة الكبرى التي أتاحت شيوع ذلك الوهم الكبير بأنَّ الشريعة ذات أصل إلهي، وقال وهو المشرع الأكبر للعقل العربي: بأنَّه جعل النص هو السلطة المرجعية الأساسية للعقل العربي وفاعليته))، هذا الجابري يتهم الشافعي!! لماذا شن الهجوم على الشافعي؟ أركون والجابري لماذا شنوا الهجوم على الشافعي؟! لأنَّ الشافعي –رحمه الله– أوَّل من كتب في الأصول، وبيَّن منهج السلف في الاستدلال، وبيَّن منهج السلف في فهم النصوص، وبيَّن القواعد، مثل: قضية العام والخاص، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، وجمع النصوص في المسألة الواحدة، إلى آخره، وتمييز الصحيح من السقيم، هذه القواعد لفهم النصوص، ومثلًا الرجوع إلى كلام العرب ولغة العرب، الرجوع إلى الصحابة والتابعين والسلف.. هذه قواعد لفهم النصوص، فكان لا بد أن يهاجم الشافعي ولا يسكتون عنه؛ لأنَّه أصَّل الأصول في القضية التي تخالف أهواءهم التي عليها مناط السعادة الدينية والأخروية!

ويقول عبد المجيد الشرفي: ((ولذلك فمن غير المقبول اليوم أن نتمسك بمنهج الشافعي الأصولي في فهم الكتاب والسنَّة؛ لأنَّه يؤدي بنا إلى مأزق)).

طيب لا تريدون أصول الفقه، ولا تريدون الضوابط التي كتبها الشافعي ولا غيره، طيب ماذا تريدون؟ يقولون: نضع قواعد جديدة لأصول الفقه، وهذا ينادي به اليوم بعض من يسمون بالمفكرين الإسلاميين، يقولون: نريد وضع قواعد جديدة لأصول الفقه، ولذلك فإنَّهم يرون أنَّ من واجبهم، ومن واجب المثقفين المعاصرين القيام بوضع قواعد جديدة لأصول الفقه، فيقول أحدهم: ((وقواعد الفقه التي وضعها الفقهاء ليست في حقيقتها ذات طبيعة دينية، وإنَّما هي قواعد من صنع البشر، ولذلك فهي منافية للعدل والمساواة وحقوق الإنسان))؛ ولذلك هم يقولون: نقرأ النص بدون قواعده وضوابطه الأولية، إذن فقضية كسر الحواجز والقواعد والضوابط لكي يفهموا على هواهم، ولذلك نادوا بقضية إعادة كتابة أصول الفقه من جديد بقواعد جديدة تناسب العصر الحاضر، ومن الذين يتبنون هذا أصحاب المعهد العالي للفكر الإسلامي أو معهد الفكر الإسلامي، إعادة كتابة أصول الفقه من جديد، ولهم اجتماعات في تركيا وماليزيا، وفي الغرب أيضًا لهم تجمعات لأجل إعادة كتابة الفقه الإسلامي من جديد.

طيب نحن نعرف أنَّ من قواعد فهم السلف للنصوص مثلًا: أنَّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السلف، يعني: مثلًا لما نزلت آية الظهار في من؟ خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس بن الصامت، معروفة كفارة الظهار، ماذا يقول أصحاب إعادة قراءة النص؟ نجعل الحكم خاصًّا بمن نزل به وليس عامًّا لكل من وقع منه الظهار، مع أنَّ من قواعد السلف في فهم النصوص أنَّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكل واحد وقع في هذا فيلزمه نفس الحكم، هذا معروف. الأمة مجمعة عليه في اللعان، في الظهار، في السرقة، إلى آخره ((الولد للفراش وللعاهر الحجر))، وردت في قصة معينة؛ تنازع سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في ولد معين فحكم النبي –عليه الصلاة والسلام– بقاعدة: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر))، قالوا: لا! الحكم هذا خاص بذلك الولد في تلك الواقعة، وهذا ضلال مبين؛ ولذلك يقول أحدهم في مسألة موالاة المشركين، وفي قول الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22] يقول: لا مناص من الإقرار بصحة الشهادات القرآنية المقدمة من قبل أنصار عقيدة الولاء والبراء، يأتوننا بآيات لا نستطيع أن ننكر صحتها، فيقولون: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ} ماذا سيفعلون؟ يقولون: لا نستطيع أن نرد النص؛ لأنَّها نصوص واضحة فصيحة لا تحتمل تأويلًا، لكنها تحتمل تفسيرا، ربما هو الأصدق من أنصار الكراهية، قالوا: هذه الآيات لا يمكن تعميمها على كل زمان ومكان، فهذه الآيات تتحدث عن قضية المودة والموالاة في زمن معين في ظرف معين، طيب لم؟ قالوا: لأنَّ الظروف حينذاك في أول الإسلام فرقت بين الأب والابن، لما أسلم أحدهم وهاجر للمدينة، وفرقت بين الأخ وأخيه، وبين سائر أفراد العشيرة، منعًا لوصول أسرار الدولة الناشئة عبر حالة عاطفية بين أخوين نهى القرآن عن موالاتهم، وبناءً عليه، بما أنَّ ذاك الزمن انتهى والمرحلة انتهت، إذن هذه الآية انتهى مفعولها، كان هناك خشية معينة من تسرب أسرار معينة، وهكذا يقول الجابري في ضرورة ربط عقوبة القطع في السرقة بأسباب النزول، فقال: ((كان المجتمع بدويًّا صحراويًّا يعتمد على التنقل والترحال، ولم يكن من الممكن عقوبة السارق بالسجن؛ لأنَّه لا سجن ولا جدران ولا شرطة تحرس المسجون، أما الآن بعد التطور العمراني والصناعي وإنشاء السجون، السارق يسجن، ليست قاعدة؛ ولذلك فقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38]، قال: هذه خاصة بالوقت الذي ما كان فيه سجون، صحراء بلا أبنية ولا إجراءات أمنية، ولا إجراءات إنذار، ولا كاميرات مراقبة، ولا شرطة تحرس السجن، الآن وجد سجن وإجراءات إنذار وكاميرات مراقبة، وأفراد حراسة، وشرطة، إذن لم تقطع يد السارق؟ ضعه في السجن! إعادة قراءة للنص!!

والله من تأمل في هؤلاء القوم أيها الإخوة سيجد أمرًا عجبًا، والكلام في هذا يطول جدًّا، ونحن سنضطر للتوقف، لكن انظروا ماذا سيحل بالأحكام، واحد يقول: يعني رسم الصور هذه للذكرى لا مانع، لماذا؟ أيش دليلك؟ ((لعن الله المصورين)) لا يجوز، قال: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] أحد المقرئين في عزاء قال: أريد 500، قالوا له: كثير يا شيخ، لم تأخذ أجرة مرتفعة على القرآن؟ قال: أليس الله يقول: {وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا}، بعضهم نصح أخاه المقصر في صلاة الجماعة، قال: يا أخي لا يجوز لك، النبي –عليه الصلاة والسلام– قال للأعمى: ((لا أجد لك رخصة))، يقول له: لا.. عندنا قراءة جديدة للنص؟ أيش تكون؟ قال له: قال للأعمى لا، [فاصلة]، أجدُ لك رخصة!!!

واحد في المغرب يفتي بعدم وضع اليدين على الصدر في الصلاة، لماذا؟ قال: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} [التوبة: 67]، خلاص إذا كانت القراءة الجديدة للنص الأعمال بالنيات، يأتي واحد شامي أو لبناني يقول بالنيات، ما هي سوداء ولا بيضاء!! بنية إعادة قراءة للنص!! ((قصوا الشارب)) الشارب يشرب ماء! إعادة قراءة للنص!

وهكذا سنتخبط في ضلال مبين في قضية إعادة قراءة النص، وزلزلة أركان الدين والإلحاد والزندقة بإعادة قراءة النص، فليت قومي يعلمون.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا للحق وأن يدلنا عليه وأن يثبتنا عليه.

اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، اللهم اجعلنا بسنة نبيك مستمسكين، وبحبلك مستمسكين يا رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

منقول

 

 


للتبرع بمبلغ 10 ريال
ارسل رسالة فارغة إلى الرقم
STC & Mobily
5565




موضوع مهم جداً:
كلمات حق يراد بها باطل










 

المسلم العربي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس