تعريف التوبة
التوبة في اللغة: يقول ابن منظور في اللسان (1/233): «التوبة الرجوع من الذنب».
وأما في الشرع: فقد تعددت تعاريف العلماء لها:
يقول القرطبي في التفسير (5/91):
«هي الندم بالقلب، وترك المعصية في الحال، والعزم على ألا يعود إلى مثلها، وأن يكون ذلك حياءً من الله»
ونقل ابن كثير عن بعض العلماء تعريفًا للتوبة، فقال في التفسير (4/392):
«التوبة النصوح هي أن يقلع عن الذنب في الحاضر، ويندم على ما سلف منه في الماضي، ويعزم على ألا يفعل في المستقبل، ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه بطريقه»
ويقول ابن قيم الجوزية في المدارج (1/305)
«وكثير من الناس إنما يفسر التوبة بالعزم على أن لا يعاود الذنب، وبالإقلاع عنه في الحال، وبالندم عليه في الماضي، وإن كان في حق آدمي؛ فلا بد من أمر رابع وهو التحلل منه، وهذا الذي ذكروه بعض مسمى التوبة بل شرطها، وإلا فالتوبة في كلام الله ورسوله كما تتضمن ذلك، تتضمن العزم على فعل المأمور والتزامه، فلا يكون بمجرد الإقلاع والعزم والندم تائبًا حتى يوجد منه العزم الجازم على فعل المأمور والإتيان به، هذا حقيقة التوبة، وهي اسم لمجموع الأمرين...».
وقد سبق ابن القيم إلى هذا المعنى شيخه، شيخ الإسلام في رسالة في التوبة (299) فقد قررا رحمة الله عليهما أن التوبة الرجوع إلى الله في فعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه.
للتوبة فضائل كُثر أذكر بعضها لتشوق نفس المؤمن إلى الانضمام إلى ركب أهلها، والمسابقة لدخول توبته من بابها.
1- التوبة هدي الأنبياء والمرسلين،
يقول تعالى عن آدم: ]فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ[ [البقرة: 37]، وقد فسرت هذه الكلمات في سورة الأعراف: ]قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ [الأعراف: 23].
وقال عن نوح في قصته مع ابنه في سورة هود: ]قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ [هود: 47].
وقال عن إبراهيم: ]إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ[ [هود: 75].
وقال عن موسى بعد قتله النفس خطأ: ]قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[ [القصص: 16].
وأخرج ابن حبان في صحيحه (3/204) من حديث أنس قال: قال رسول الله r: «إني لأتوب في اليوم سبعين مرة».
2- توبة الله على التائبين
قال تعالى: ]فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ [المائدة: 39]، ومعنى يتوب عليه أي: يقبل توبته.
أخرج البخاري في صحيحه (2/945) في حادثة الإفك أنه r قال: «فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب؛ تاب الله عليه».
وأخرج ابن حبان في صحيحه (629) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله r: «من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها؛ تاب الله عليه».
وأخرج أحمد في المسند (4/240) من حديث صفوان بن عسال مرفوعًا: «إن من قبل المغرب لبابًا مسيرة عرضه سبعون أو أربعون عامًا فتحه الله عز وجل للتوبة يوم خلق السموات والأرض لا يغلقه حتى تطلع الشمس منه».
وحسَّنه الألباني في صحيح الترغيب (3137)؛
بل من رحمته جل وعلا وفضله أنه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
اجعلوا التوبة طريقكم الى حياة اجمل
نكمل بإذن الله في السلسلة الثانية