الأُرجُوحَة ..
الأُرجُوحَة ..
بِالأمسِ مَرَرتُ بِجَانِبِ حَدِيقَةً جَمِيلَة ..
تُشرِفُ إحدَى زَواياها عَلَى مَنظَر لِلبَحر ..
مُلِئَت بِالأَطفَال .. والكُراتِ المُتَقَافِزَةِ هُنَا وهُنَاك ..
مُلِئَت بِالكِبَار .. والعَاشِقين .. والمُنتَظِرِين لِعِشقٍ قَد هَجرهُم ..
وقَفتُ عَلَى بَابِها .. وتَنَهدت ..
هَل أَدخُل .. أَم أَمضِي بَعِيداً ؟؟ ..
وأخِيراً فَضَلتُ الدُخول ..
شَدّتنِي مَنَاظرٌ قَد افتَقَدتُها ..
لَعِبُ الأَطفَال .. أصواتُ ضَحِكاتِهِم .. شِجاراتِهم الصَغيِرة ..
مُرَاقبَةُ وحِرصُ الكِبار .. وحَمِيمِة العَاشِقِين ..
تَمَايُل الأَشجَار .. مع نَسَماتُ هَوَاءٍ عَلِيلَة ..
ومُدَاعَبَةُ الأَزهَارِ لِأَنَامِلِي ..
إبتِسَامَاتُ المارّين بِقُربي .. ودَمعاتُ آخرين ..
ظَلَلَتُ أَتَمشّى بين جَنَبَاتِهَا وأَستَمتِعُ بِبَعضِ اللحظات ..
حتى استوقَفَتنِي أُرجُوحَتِي !! ..
نَعَم أُرجُوحَتِي .. اللتي لَطَالما تَأرجَحتُ عَليها ..
آآآه ظلّت جَمِيلَةً كَما هِي .. لَم تَتغير ..
وجَدتُ أطفَالاً يتَسَابَقُون عَليها ..
كُنتُ مُنذُ زَمَنٍ مِثلُهم .. أَتَسَابَقُ مَعَ آخَرين للوصُول إليها ..
والفَوز بِالمَقعَدِ الوحِيد .. بَينَ أعمِدَتِها الشَامِخَة ..
ابتَسَمتُ وبَقِيتُ أُراقِبُهم .. وهَم يتبَادَلون أدوَارَهُم للعَبِ عَليها ..
حَتّى شَعرتُ بِإحسَاسٍ غَمَرَنَي افتَقَدتُه مُنذُ زَمَن ..
َنعَم هو ذَاكَ الشُعُور عِندَمَا كُنتُ اتأرجَحُ وأنَا أرفَعُ رأسِي عالياً ..
وأنَا غَارِقَةٌ فِي ذَاك الشُعُور .. قَاطَعَني صَوتٌ ضِحكَةُ طِفل ..
بَحثتُ عَن أقرَبِ مِقعَدٍ وجَلَست ..
وبَدأتُ أتَذَكرُ طُفُولَتي الجَمِيلَةُ نَوعاً ما ..
تَمَنيتُ لَو أنَنَي عُدتُ صَغِيرةً من جديد ..
لِأُحلّق عَالياً بِتلكَ الأُرجُوحة .. وأرتَفِعُ عَالِيًا عَن هَذِه الأرض ..
وأُحدّق فِي سَمآء زَرقآء .. غطّتها بَعضُ الوسَائِد البَيضاء تُسَمّى الغُيُوم ..
وتَتَعالى صَوت ضَحِكاتِي .. وقَد سَبَقتها شَهقَاتي ..
لأشعُر وكَأنَني أطِير حَقًا .. ويتَخللُ مَلَابِسي الهَواءُ البَارِد ..
وأَنا فِي قِمّةِ استِمتَاعِي ..
بَعدهَا استَوقَفَتني طِفلَةٌ تَفعلُ مِثلَما كُنتُ أَفعَل ..
لَم أَتمالَك نَفسِي .. وقَفتُ وانتَظَرتُهَا حَتى فَرَغََت ..
صَعَدتُ الأٌرجُوحَة ونَظَراتُ الأطفَالِ تَرمُقُنِي بِاندِهَاش ..
ابتَسَمتُ لَهُم واكمَلت ..
بَدأت اتأرجَح وأرتَفِعَ عَالِياً وكَأنَنَي أُسَابِقُ تِلكَ النَسَمَات ..
وأَرفَعُ رَأسِي نَحوَ السَماء .. وأَضحك .. نَعم كنتُ أضحكُ عالياً ..
و أُحَدّق في الغُيُوم .. وأَرمُق البَحرَ من إحدَى الزَوايا فِي الحَدِيقة ..
وتَتَطاير خُصُلَات شَعرِي فِي الهَواء ..
شَعَرتُ وكأنَنَي أَطِير حَقاً .. تَمَلَكَنِي إحسَاسُ طَير أسِير ..قَد أُفرِجَ عَنهُ أخيراً ..
لَم يُوقِفنِي سِوى صَرخَة طِفلٍ أَرادَ أن يَأخُذَ دَورَهُ مِثل البَاقِين ..
أَعتَرِفُ بأنَنَي قَد كَرِهتُ النُزُول .. ولَكِن لا مَفَر ..
صَعَد الطِفلُ وأَنَا مَا زِلتُ مُتَشَبِثَةً بِهَا ..
وفِي النِهَايةِ غَادَرتُهَا .. وأَنَا مُمتَلِئَةً بالسَعَادة ..
يالله .. كَم هُو جَمِيلٌ ذَاكَ الشُعُور .. مُرِيحٌ جِدا ..
عُدتُ لِمَقعَدي .. وانتَظَرتُ حَتى المَغِيب .. ثُم حَمَلت نَفسِي ..
وذِكرَياتِي الجَميلَة هُنَا وغَادَرت ..
|