5- الفلاح والفوز إنما يكون بالتوبة
يقول الله تعالى: [ فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ] [القصص: 67]،
والذنوب سبب تسليط الأعادي على العبد يقول تعالى: [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ] [الشورى: 30]،
وقال لخير الخلق وهم أصحاب نبيه r: [أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ][آل عمران: 165].
فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أو لا يعلمه، وما لا يعلمه العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها، وفي الدعاء المشهور الذي أخرجه أبو يعلي في المسند (1/60):
«اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم»
صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (716).
وقال تعالى: [وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ][النور: 31]،
وهذه الآية في سورة مدنية خاطب الله بها أهل الإيمان، وخيار خلقه أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم وصبرهم وهجرتهم وجهادهم، ثم علق الفلاح بالتوبة تعليق المسبب بسببه، وأتى بأداة (لعل) المشعرة بالترجي إيذانًا بأنكم إذا تبتم كنتم على رجاء الفلاح، فلا يرجو الفلاح إلا التائبون. جعلنا الله منهم.
فالفوز في الدنيا والآخرة معلق بالتوبة النصوح
«وليس في الوجود شر إلا الذنوب وموجباتها، فإذا عوفي من الذنوب عوفي من موجباتها، وليس للعبد إذا بغي عليه، وأوذي وتسلط عليه خصومه شيء أنفع له من التوبة النصوح، فيتولى العبد التوبة وإصلاح عيوبه، والله يتولى نصرته وحفظه والدفع عنه، فما أسعده من عبد، وما أبركها من نازلة نزلت به، وما أحسن أثرها عليه، ولكن التوفيق والرشد بيد الله لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، فما كل أحد يوفق لهذا لا معرفة به، ولا إرادة له، ولا قوة عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله»
6- المتاع الحسن
يقول الله تعالى: [وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ] [هود: 3].
يقول الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان (2/170):
«والظاهر أن المراد بالمتاع الحسن سعة الرزق، ورغد العيش، والعافية في الدنيا، وأن المراد بالأجل المسمى الموت،
ويدل لذلك قوله تعالى في هذه السورة الكريمة (يعني: سورة هود) عن نبيه هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام:
[وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ][هود: 52].
وقوله تعالى عن نوح: [فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا][نوح: 10، 11]،
وقوله: [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً] [النحل: 97]
وقوله: [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ] [الأعراف: 96].
فطوبى لك أيها التائب المتاع الحسن الذي وعدك به ربك [وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً][النساء: 122].
7- محبة الله للتوابين
[إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ][البقرة: 222].
وتأمل الآية يرحمك الله ففيه أن الطهر طهران: طهر بالماء من الأحداث والنجاسات، وطهر بالتوبة من الشرك والمعاصي، وهذا الطهور أصل لطهور الماء، وطهور الماء لا ينفع بدونه بل هو مكمل له، معد مهيأ بحصوله، فكان أولى بالتقديم.
8- الخروج من الدرع الضيقة التي يلبسها العاصي
فإن المذنب تحيط به ذنوبه من جميع الجهات حتى تهلكه، ولا ينفك المؤمن منها إلا بالتوبة النصوح، وإبدال السيئة حسنة،
أخرج الإمام أحمد في المستدرك (4/145)
من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
«مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات، كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته، ثم عمل حسنة، فانفكت حلقة، ثم عمل حسنة أخرى فانفكت حلقة أخرى حتى يخرج إلى الأرض».