الفتاة اليابانية آيا والمتنبي!
في فترة الإستراحة المقدرة بعشر دقائق بين محاضرة ،وأخرى في جامعة كيس
قمت وتناولت القلم وكتبت على السبورة بيت لأبي الطيب المتنبي :
وهكَذا كُنتُ في أهْلي وفي وَطَني ...........إنّ النّفِيسَ غَريبٌ حَيثُمَا كَانَا
فبادرتني الطالبة اليابانية آيا ذات التسعة عشر ربيعا :
هل هذة حروف عربية وماذا كتبت وهل من الممكن ترجمتها ؟
فقلت نعم حروف عربية ، أما ترجمتها فهي لا تترجم بغير لغة الفكر !
ثم أسترسلت هذا بيت من الشعر قام بتشييده وغيره رجل يدعى أبو الطيب المتنبي قضى قبل 10 قرون.
وأنا أعتبره صديق فنادرا أن تمر ليلة دون أن أقرأ من ديوانه منذ سبع سنين .
وأنا كثيرا ما أردد شعره . فلا يكاد يمر موقف من مواقف الحياة السعيدة أو الأخرى المؤرقة إلا وتجدي بيتا يتماشى مع ذلك الموقف يجري على لسانك مواسيا أو مهنئا .
اكتفت آيا بأن أعطيها اسم المتنبي بالانجليزية لتبحث عنه على الشبكة العنكبوتية .
أما أنا فقد قفلت بفكري إلى شقتي في الرياض التي لاتعرف أحدا يقطنها غيري وغير مكتبتي الصغيرة المتواضعة حتى نضيف لها أبو الطيب المتنبي فتكبر لقدر المتنبي الكبير .
في شقتي في كل مساء أمرر لهب عود الثقاب على قاعدة الشموع حتى تبكي شمعا ثم أثبتها على طرفي سريري وأطفئ الإنارة فلا ضوء سوى أضواء الشموع .
أسند ظهري إلى السرير وأقلب صفحات المتنبي وأحادثه :
يا ابا الطيب ماتقول في صاحبك هذا ؟!
أسعدت مساءا يا ابا الطيب ؟!
اشكر الله أن أحدا من الناس لايراني وقت محادثتي تلك ، وإلا نعتني بالعته .
وبعد أن أحدثه قليلا اترك له المجال ليتحدث فيجري على لساني عذب بيانه :
ألقَلْبُ أعلَمُ يا عَذُولُ بدائِهِ ...........وَأحَقُّ مِنْكَ بجَفْنِهِ وبِمَائِهِ
فَوَمَنْ أُحِبُّ لأعْصِيَنّكَ في الهوَى ....... قَسَماً بِهِ وَبحُسْنِهِ وَبَهَائِهِ
أأُحِبّهُ وَأُحِبّ فيهِ مَلامَةً؟............. إنّ المَلامَةَ فيهِ من أعْدائِهِ
وعند إذ أغيب عن العالم حتى عن نفسي فقد حصرت الحياة كلها بين أسطر أبياته وخفت النور إلا
نور الشمعة التي تنتظر حتفها بعد قليل وكأن أبو الطيب المتنبي هو من قتلها .
واختفى صخب الرياض ،ونامت ذكريات الحجاز والطفولة ،وحجرتي الصغيرة أصبحت تضيق
شيئا فشيئا حتى خلت أنها لا تتجاوز حجم الكتاب الذي بين يدي !!!
وتمضي الثواني مع كل حرف من شعره .حتى تبدأ مرحلة مغالبة النعاس فأقربه من سريري وأسلم عيني للكرى .
وفي الصباح أترنم بشعره بعد أن ألقي عليه التحية وأنا أغادر لعملي .
أجوب الشوارع والطرق وسط صخب الرياض فأتساءل :
هل كنت البارحة في هذه المدينة ؟أم أن ماردا حملني إلى مكان آخر ؟
إنه المتنبي هو من يفعل كل هذا !!!!
قد كنتُ أُشفِقُ من دَمعي على بصري ........... فاليَوْمَ كلُّ عزيزٍ بَعدَكمْ هَانَا
تُهدي البَوارِقُ أخلافَ المِياهِ لكُمْ ...........وللمُحِبّ مِنَ التّذكارِ نِيرانَا
إذا قَدِمْتُ على الأهوالِ شَيّعَني ........... قَلْبٌ إذا شِئْتُ أنْ أسلاكمُ خانَا
أبدو فيَسجُدُ مَنْ بالسّوءِ يذكُرُني ......... فَلا أُعاتِبُهُ صَفْحاً وإهْوَانَا
وهكَذا كُنتُ في أهْلي وفي وَطَني ........ إنّ النّفِيسَ غَريبٌ حَيثُمَا كَانَا
مُحَسَّدُ الفَضْلِ مكذوبٌ على أثَري ألقَى........ الكَميَّ ويَلقاني إذا حَانَا
لا أشرَئِبّ إلى ما لم يَفُتْ طَمَعاً .......ولا أبيتُ على ما فاتَ حَسرَانَا
القنديل (الولايات المتحدة الأمريكية ، أوهايو)

نعتوك بالقنديل في الأسحار ......وتحلقوا من حولك السماري
|
|