محمد المصباحي
نلقن أبناءنا الجرأة وفصاحة الكلام والشجاعة والقدرة على التعبير والدفاع عن النفس.. ولكن من نسميهم بعيال الشوارع (الحواري) تجدهم بالفطرة، لا بالتعليم، أكثر جرأة وفصاحة، بل وأشجع من أبنائنا! رغم أن آباءهم يعلمونهم الصمت تجنبا للفضائح!
ونحرص على صحة فلذات أكبادنا ونراعي طعامهم وشرابهم وتناول أدويتهم في مواعيدها وتنوع رياضاتهم لتكون أجسادهم قوية مستصحة! لكن أبناء الشوارع ينعمون بصحة كالحديد يصرع الواحد بقوته عشرة من أبنائنا القابعين في البيوت! والميدان يا حميدان!
نشجع أبناءنا على مواجهة تحدي الحياة ونرفع من هممهم! أما فئة أبناء الشوارع، خصوصا فترة شبابهم قبل أن يكتشفوا أن المستقبل للمتعلم، ينعمون بروح معنوية عالية! رغم المثبطات لهم في محاضن التعليم وانتقادات أهالي الحي لهم!
ومع ذلك، ما زال الكثير مقوقعا ابنه داخل البيت!؛ بحجة التربية القويمة، وأحيانا لتعليم الرجولة بين غرف المنزل!
إننا، في الوقت الذي ننتقد فيه تلك الفئة التي تفترش الشوارع وتضايق المارة وتضيع أخلاقها ودينها وتعليمها، نغفل عن الإيجابيات التي اكتسبها بعضهم بالفطرة!
ولا أنادي أن يكون أبناؤنا في هذا المحضن الذي لا يربي! أو بالأصح المفسد للأخلاق! ولكن أدعو إلى التفكر في أسباب بلوغ هذه الفئة لهذه الدرجة من الصحة والقوة والفصاحة! حتى نغرسها في أبنائنا!
كلا المكانين البيت والشارع له ضريبته! ولكن التوسط بينهما ومراقبة أبنائنا من يخالطون هو عين الحكمة!
لا بد أن نعرف ما هي أسباب الخلل في تربيتنا! فهل هو واقع العصرنة والانفتاح، فقوقع الآباء أبناءهم في البيوت خشية مخالطة أصدقاء السوء! أو أن مجالات احتكاك الابن بالحياة خارج نطاق المنزل بات ضئيلا! أو هو الاعتماد على السائق حتى في البيع أو الشراء! أو على ربة البيت! فكان أبناؤنا مختلفين عن جيل الماضي الكادح!
حقيقة القاسم المشترك بين عيال الشوارع وأبناء الماضي هو التعامل خارج المنزل، والفرق بين الفئتين هو طبيعة العيش والصفات والأخلاق!
للأسف، بات أبناؤنا في الآونة الأخيرة «بيتوتيين»! وبات بعض النساء أكثر جرأة وفصاحة من شبابنا! لأنهن أخذن حقهن في بيئتهن أكثر مما سبق! وبقي الشاب هو الضحية الأولى!
يكمن سر التربية النموذجية في احتكاك الابن بالحياة العملية وفق تخطيط ومهارة ورقابة المربي! وليس في تلقينه أو تعليمه أو تشجيعه على الصفات النبلى نظريا!