[هذيان]

أحمد عبدالرحمن العرفج



السَّائِحُ السّعُودِي ..!

جَوَانب النَّقص في الإنسان المَحلي كثيرة، ليس آخرها مَفهوم السّياحة والسّفر!!.. والمَرأة والرَّجُل يَتّحدان في السّوء، وإن كان الرَّجُل يَتفوّق على النّصف الآخر في «السّخافة».. وذلك يَحتاج إلى تَفصيل!!
فالمَرأة السّعوديّة حين تُسافر، تَختار أفضل ما عندها، وتَرتدي أغلى المَاركات التّجاريّة، ممّا يَجعلها هَدفاً مُغرياً للسّرقة، إضافةً إلى أنَّ بَعضهنَّ تَتصرّف وكأنَّها عَارضة أزياء، وتلك فُرصة لها؛ بأن تُظهر زينتها التي حُرمت من إظهارها في بَلدها.. وهذا أبرز ما يُميّز المرأة المُسافرة «والسَّافِرة»!!
أمّا الرَّجُل، فهو -كما يُدرك ذلك كُل من «يتمقل» الرِّجال في لندن- يَجمع السّوء مِن أطرافه، فعَلى مُستوى المَلابس.. هو عَارض أزياء؛ يَجب أن يَراه النَّاس لابساً بَذلة أنيقة، بَل إنّ أحد الخُبثَاء وَصف الخليجيين الزَّائرين للندن، بأنَّ هَمّهم الأوّل والأخير بأن يَروا «مقياس بدلهم.. وطريقة لبسها»!!
وإذا كَان هذا الزَّائِر من الكُتَّاب أو المُثقَّفين السذّج.. وهذا ما يهم المقال هنا.. فإنه يرتكب عدَّة حَماقات، إضافةً للحَماقة التي ذُكرت أعلاه!!
فمِن حَماقاته أنَّه «يَصِيع ويَضِيع مَع أصدقائه الذين يَتكلّمون لُغته، ويَأكلون أكله، ويَعطسون مِثله»، ثُم يَعود إلى الوَطن ويَكتب عن رحلاته، وكأنَّه اكتشف جُزر «الوَاق وَاق».. ولا يسألني أحد عن هذه الجُزر، لأنَّني لا أعرفها، بل سَمعتها في أحد أفلام الممثل إسماعيل ياسين!!
إنَّه يَكتب عَن هَذا كُله تَحت عنوان: «بريطانيا التي رأيت»، وهو يَقصد شَارع «أجور رود»!!
ويستمر هذا المُثقَّف السَّاذِج في تسطيح الأمور، وفي آخر أيام زيارته يزور «مكتبة الساقي».. ثم يكتب بأنَّه زار بريطانيا ومكتباتها، وأن هذا البلد ليس سوى مكتبة واحدة، ونَسي أنَّه هو الذي لَم يَزُر إلَّا مَكتبة وَاحدة!!
وأكثر الأمور تَسطيحاً.. أنَّه يَروي أنَّ المُجتمع البريطاني يُعاني من الفَراغ الرّوحي، والفَساد الأخلاقي، والتَرهُّل المَالي.. الخ، ويا للعجب!! كيف عَرف هَذا السَّائِح في أربعة أيام؛ مَا لم تَعرفه المُخابرات الفرنسيّة عن بريطانيا في 40 سنة؟!
ولا يتورّع هذا السّائح «المُثقَّف» عن القول بأنَّه تَناقش مع بعض المُثقَّفين البريطانيين، وتَجادَل معهم حول قَضايا السَّاعة، حتى لو كان هذا السَّائِح لا يَتحدَّث الإنجليزية.. وهذه من خصوصيتنا الكثيرة!!
والغريب أنَّ هذا المُثقَّف الذي لَم يَزُر غير شَارع وَاحد في لندن، يَكتب عن رحلته بأنَّه زار بريطانيا «العُظمى» وسبر أغوارها، ولازلت أتذكّر أنَّ أحد الأصدقاء جاء إلى لندن، وركب القطار لمدة خمسة أيام، ثُم قَال وهو على سلّم الطّائرة: «لن أزور بريطانيا مَرَّة أخرى.. لأنَّني عرفت كُل ما فيها»!!
حقاً.. إن «أهل العقول براحة».. وهذا أولهم!!.