أحمد عبدالرحمن العرفج
ثَقَافَةُ الـ«سكند هاند» !!
مِن الظَّوَاهِر التي يَستَدل بِهَا بَعض الاقتصاديين عَلى تَردِّي أحوال الاقتصاد؛ ظَاهرة «بيع وشراء الأشياء المُستعملة»!!
فِي السَّابِق لَم يَكن النَّاس يَتعامَلُون مَع المَوَائِد المُستخدمة، إلَّا فِي حَقل «السّيارات»، حَيث الحَراج يَفتح أبوابه كُلّ عَصر للبَائِعين والمُشترين والمُسترزقين!!
وقَبل سَنوات بَدأت لَوحات شراء الأثاث المُستعمل تَملأ الشَّوارع، فِي تَجاوز صَريح للحَرَاجَات الكُبرى مِن أمثال «حَراج بن قَاسم» فِي الرِّياض، و»حَراج الصَّوارِيخ» فِي جُدة، وغَيرهما مِن الحَراجَات المَشهُورة!!
وفِي الطَّفرة الثَّانية فِي بداية الثَّمانينات.. وُلدت ظَاهرة «بيع وشراء الكِتَاب المُستعمل»، وكَانت مِن أجمل وأحلى الظَّواهر.. ثُم جَاء «الجَوَّال»، فأصبح فِي كُلّ زَاوية ورُكن طَاولة لعَرض «الجَوَّالات المُستعملة»، ثُم مَدَّدَت الظَّاهرة رجليها فَوَصَلت إلى البَشَر.
وفِي عَالم البَحث.. هُناك مَعلومات جَديدة «Firsthand Information»، وهُناك مَعلومات مُستعملة «Secondhand Information»، وأكثر البَاحثين يُفضِّلُون النّوع الأوَّل.. ليس لأنها طَازجة، بَل لأنَّها مَعلومات يُتحكَّم في تَوجّهها، حيث لا نَموذج يُمكن القِياس عَليه!!
وثَقافة «بيع وشِراء الأشياء المُستعملة».. ثَقافة غربيّة بامتياز، حيث نَجد مَحلَّات «السكند هاند» تَنتشر فِي كُلّ زَاوية فِي بريطانيا، مَع مُلاحظة أن ريع هَذه المَحلَّات يَذهب لصالح الجمعيّات الخيريّة، وهَذا يَجعل النَّاس تَتحفّز وتَتشجّع لتَقديم «مَا لا تَحتاجه مِن مَواد» كَهِبَات وعَطَايا لهَذه المَحلَّات، التي تُعِدُّها وتُصْلِحُها وتُجَهِّزها للزَّبائِن!!
إنَّ ظَاهرة «بيع وشراء الأشياء المُستعملة» ظَاهرة جَديرة بالاحترام، لأنَّها حَل لمُشكلات كَثيرة، أهمها الجَانب الاقتصادي، كَمَا أنَّها حل وَسط لأُولئك الأغبياء الذين يَشترون «مَا لا يَحتاجون إليه» بثَمن غَالٍ، ليَكون مِن نَصيب الفُقراء الذين يَتصيّدونه بثَمن زَهيد، وفِي ذَلك تَجسير للفَجْوَة بين الأغنيَاء والفُقرَاء، أو لِنَقُل «إعَادة لتوزيع الثَّروة» عَلى طَريقة «العرض والطلب السلمية».. ليَنَال الفُقراءَ شُعاعٌ مِن أَضوَاء الأغنيَاء!!
نَعم.. أعرف أنَّ البَعض يَتحفَّظ عَلى «الأشياء المُستعملة»، و»المَوَائِد المُستطرفَة»، ولكن هَذا التَّحفُّظ لا قِيمة لَه أمَام الحَاجَة.. وقد يَتحفَّظ البَعض عَلى اقتنَاء المَلابس مِن هَذه المَحلَّات ويَقبل البَعض الآخر، وهَذا تَحفُّظ لَه وَجَاهته.. وإنْ كَان أهل بريطانيا لا يُمارسون هَذا التَّحفُّظ، بَل نَجد إحداهنَّ تَعمد إلى مَحل «سَكند هَاند» وتَشتري شَنطة مِن مَاركة «بيربري» «Burberry» بخَمسة جُنيهات، فِي المُقابل نَجد أنَّ سعرها جَديدة تُساوي 100 جنيه.. وبذَلك تَكون المَسافة بين شَنطة الغَنيّة وشَنطة الفَقيرة هي مَسافة زمنيّة، وليست مَسافة حَضاريّة أو طَبقيّة!!
أَلَمْ أَقُل إنَّ ظَاهرة بيع الأشياء المُستعملة هي خطوة «لتَقليص الفَجوَة بين الفُقراء والأغنيَاء» ؟!!.