ياسر العمرو .. !
استهبالنا غير!
أحد الأصدقاء أطلعني على هواية يمارسها منذ فترة قريبة، إذ يقضي وقت فراغه في تتبع المقاطع الصوتية والمرئية لقفشات السعوديين ومقالبهم وسخريتهم، أو ما نختصرها تحت مفردة «الاستهبال»، وتكونت لديه مادة ثرية - بحسب وصفه - اضطررت تحت إلحاحه إلى مشاركته في سماع ورؤية ما رصد، وهو يؤكد: صدقني لن تندم.
كانت البداية تسلية انقلبت إلى حالة من التمحيص وهو يشرح لي، ناثرا مئات المقاطع التي قام بتصنيفها بشكل احترافي ينم عن تحليل دقيق للمضمون، وكان إحداها مصنف تحت عبارة «موهبة ضائعة» ضم العديد من المقاطع التي دهشت منها في ممارسات تنم عن احترافية ومهارة وظفت في المكان الخاطئ، كتقليد الأصوات واللهجات التي دفعت محترفها إلى عالم «الاستهبال»، وتسجيل ردة فعل ضحاياه من قطاعات ومؤسسات المجتمع ممن أكلوا الضرب، وصديقي يتساءل: هل الموهوب هو العبقري في مجالات التعليم فقط، لو كان صاحب المقطع في بلد يستثمر الإنسان لما أصبح في ذلك الحال... إن لم تقتنع سأسمعك المزيد.
استمر صاحبي بعرض بقية من مصنفاته وكان اختياره هذه المرة لتصنيف «الضبط الاجتماعي» الذي حوى في غالبيته مشاهد مرئية لتجاوزات المتصلين والمشاركين في البرامج الفضائية أو في بعض البرامج على شبكة الإنترنت، وكان قاسمها المشترك بذاءة اللسان أو بشكل أوسع «برادة الوجه»، وبعضها شذ عنها من خلال ممارسة النقد الاجتماعي بأسلوب ساخر تتملكك فيه الدهشة من قدرة المتحدث على توصيف المجتمع بطريقة لاذعة، لتوقن من بعدها أن صناعة النكتة لم تصبح مستوردة من الخارج وإنما المجال غدا خصبا لتصديرها بختم «نكتة سعودية»، وصديقي مستمر في تساؤلاته: ما سر انكبابنا على فن التنكيت والسخرية من واقعنا إلى حد الفكاهة، لقد أصبحت أحفظ يوميا العشرات منها حتى أرددها في المجالس لتكون لي الحظوة والاهتمام، يقولك فيه واحد ... وشرع بسرد حفظه الفكاهي.
استمر العرض وأنا مصاب بحالة من النهم، فتارة يعرض مشاهد التفحيط وسلوكيات القيادة تحت مسمى «فورميلا السعودية..الله يستر»، وبعض الأفلام القصيرة التي أخرجها وأنتجها مجموعة من الشباب لإبراز قضاياهم بشكل سينمائي واختار لهم وصف «سوليوود»، وأنا من تساءل حينها: لو وجد المحضن الرسمي؛ هل سنجد مشكلة في الاحتواء؟.
لقد أتيحت لي الفرصة للرؤية والتأمل من نافذة مغايرة، وهي فرصة للباحثين الاجتماعيين لرصد وتحليل تلك المقاطع التي قال عنها صاحبي: ستجد غالبيتها في جوالات الجميع، خليهم يوسعون صدورهم!