عرض مشاركة واحدة
منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز
قديم 29-10-2014, 04:38 PM   #26

براري

نائبة مشرفة الكليات الجامعية

نائبة الكليات الجامعية

الصورة الرمزية براري

 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
كلية: كلية الآداب والعلوم الانسانية
التخصص: دراسات إسلامية
نوع الدراسة: إنتساب
المستوى: متخرج
البلد: منطقة مكة المكرمة
الجنس: أنثى
المشاركات: 3,258
افتراضي رد: ~ لطالبات الإنتساب ~ تجمع الدورات التأهيلية عن طريق برنامج البلاك بورد للفصل الأو


بسم الله الرحمن الرحيم


~ المحاضرة الرابعة ~ لمادة الفقه المقارن مع الدكتورة منيرة المريطب ..


تابع كتاب المدخل لدراسة المذاهب والمدارس الفقهية _ الباب الثاني

- التعريف بالمذاهب -
نشأة المذاهب وتكوينها :


نبغ في عصر التابعين وعصر الأئمة المجتهدين مجموعة من العلماء بلغوا مرتبة الاجتهاد المطلق ، وكان لهم طريقة سلكوها في التعرف على الأحكام ، وأصبح لكل منهم تلاميذ يتبنون طريقتهم وقد عرفت هذه الطرق بالمذاهب .

المذاهب الباقية إلى اليوم هي :

مذهب الإمام أبي حنيفة – مذهب الإمام مالك – مذهب الإمام الشافعي – الإمام أحمد بن حنبل.

المذاهب المنقرض أتباعها :

مذهب الليث بن سعد – داود الظاهري – ابن جرير الطبري .
لكل مذهب فقهي مؤلفاته وقواعده وأصوله وعلماؤه وجذوره التي تمتد إلى صاحب المذهب ومؤسسه ، وتفتحت عقولهم على أنوار الوحي والسنة التي اعتمدوا عليها في بناء مذاهبهم ، وقد تمثلت في أقوالهم التي دونوها في كتبهم ، أو أجابوا بها من سألهم واستفتاهم وقد حملها عنهم أصحابهم وتلامذتهم الذين كان لهم الدور في استيعاب علوم أئمتهم وحفظها ونقلها ولولاهم لضاعت مذاهبهم ، كما حصل لليث بن سعد الذي يقول عنه الشافعي : الليث أفقه من مالك ، إلا أن أصحابه لم يقوموا به ، كما كان أصحاب الأئمة يزاحمون أئمتهم في الاجتهاد ويخالفونهم .
لقد دون المذهب الحنفي أربعين رجلاً كانوا يختلفون عنده في جواب المسألة ، وكانوا يقيمون في المسألة ثلاثة أيام ثم يكتبونها في الديوان ، ولا يقتصر الديوان على أقوال أبي حنيفة ، فقد يكون المذهب قول أبي يوسف ، أو محمد بن الحسن ، أو قول زفر أو الحسن بن زياد .

المذهب لغة واصطلاحا :

لغة : الطريق الذي يذهب فيه ، أي : يسار فيه ، ويمر فيه ، ويطلق أيضا على الشيء الذي يذهب إليه الإنسان سواء كان حسياً أو معنوياً ، وفي لسان العرب : المذهب المتوضأ لأنه يذهب إليه ، ويذكر الكسائي أن العرب تطلقه على موضع الخلاء .

اصطلاحا : الطريقة التي اختطها شخص أو مجموعة سواء أكانت في مجال الاعتقاد ، أو السلوك ، أو الأحكام ، أو غيرها ، وفي المعجم الوسيط : المذهب عند العلماء مجموعة من الآراء والنظريات العلمية والفلسفية ، ارتبط بعضها ببعض ارتباطا يجعلها وحدة متسقة .

المذهب الكلامي : أن يورد حجة على طريق أهل الكلام .

والمذهب عند علماء الفقه يطلق على المنهج الفقهي الذي سلكه فقيه مجتهد ، أختص به من بين الفقهاء ، والمجال الذي يعمل فيه المذهب الفقهي هو الأحكام الشرعية الفرعية ، وليس الأحكام الأصولية ، كما أن مسائل الفروع ليست كلها تدخل في ما يسمى بالمذهب الفقهي ، فالأحكام التي أدلتها قطعية الدلالة والثبوت ، مثل وجوب الصلوات الخمس ، وصوم شهر رمضان ، ووجوب الزكاة ، وصلاة الظهر أربع ، والمغرب ثلاث ،ونحو ذلك لا يصح أن تنسب إلى مذهب شخص بعينه ، فإن مذاهبهم جميعا في هذه مذهب واحد ، كما أن المسائل المجمع عليها لا يصح أن تنسب إلى مذهب رجل بعينه ، وإن كان دليلها ظني الثبوت ، أو ظني الدلالة ، فنكاح المرأة على عمتها ، أو خالتها متفق على تحريمه عند أهل السنة ، ودليله خبر آحاد .

وقد حدد القرافي المسائل التي يمكن أن تدخل في إطار المذاهب بخمس : الأحكام ، وأسبابها ، وشروطها ، وموانعها ، والحجاج المثبتة للأسباب ، والشروط والموانع ، وهو يريد المختلف فيه وليس المتفق عليه ، كحكم الوتر ، وحكم الصلاة على رسول الله في التشهد ، ونحو ذلك .

والمتفق عليه من الأسباب : كالزوال ورؤية الهلال ، والمتفق عليه من الشروط : كالحول في الزكاة والطهارة في الصلاة .
والمتفق عليه من الموانع كالحيض ، فإنه يمنع من الصلاة والصوم ، والجنون والإغماء فإنهما يمنعان من التكليف .

الحجاج المثبتة للأسباب والشروط والموانع ما يعتمد عليه الحكام من البينات والأقارير ونحو ذلك ومثال المجمع عليه : الشاهدان في الأموال ، والأربعة في الزنى ، والإقرار في جميع ذلك إذا صدر من أهله في محله ، ولم يأت بعده رجوع عن الإقرار .

الأسباب المختلف فيها الداخلة في إطار المذهب الفقهي كالرضاع المحرم ، بعض أهل العلم يجعل المحرم منه رضعه واحدة ، والبعض ثلاثا ، والبعض خمساً .

مثال الشروط المختلف فيها : الولي والشهود عند النكاح .

مثال للمتفق عليه من الموانع : منع النجاسة الصلاة ، ومنع الدين الزكاة .

مثال المختلف فيه من الحجاج المثبتة للأسباب والشروط والموانع : الشاهد واليمين ، وشهادة الصبيان في القتل والجراح ، والإقرار إذا تعقبه رجوع ، وشهادة النساء إذا اقتصر منهن على اثنتين فيما يختص بهن الاطلاع عليه ، كعيوب الفرج ، واستهلال الصبي ونحو ذلك ، وإثبات القصاص بالقسامة ، فهذه الحجاج يثبت بها عند الحكام الأسباب نحو القتل ، والشروط نحو الكفاءة ، وعدم الموانع نحو الخلو عن الأزواج .

ما ينسب إلى إمام المذهب من مذهبه :

كل مذهب يضم أقوال إمام المذهب واجتهاداته ، وجميع أقوال واجتهادات علماء هذا المذهب ولا يجوز أن تنسب كل هذه الأقوال إلى مؤسس المذهب ، فمذهب العالم ما قاله وذهب إليه ، ومن نسب إليه أحكاماً لم تصدر عنه فقد ظلم وجار .
قد يقال المذهب الشافعي في هذه المسألة كذا ، ولكنه ليس قول الشافعي وإنما هو الحكم المعتمد في الفتوى عند الشافعية ، فالمذهب قد يكون قولا للإمام نص عليه ، وقد لا يكون نص عليه ، وإنما نسب إليه قياسا على قوله ، وقد يكون لصاحب أو تلميذ من أصحاب أمام المذهب أو تلامذتهم ، وقد لا يؤثر عن الإمام في ذلك قول أو حكم .

أدلة عدم جواز نسبة كل ما في المذهب من أقوال للأئمة :

1- قرر أهل العلم أنه لا يجوز أن ينسب لساكت قول لم يقله ، قال الشافعي " من نسب إلى ساكت قولا فقد كذب عليه " .
2- يضم كل مذهب أقوالاً كثيرة متعارضة لمجتهدي المذهب ، فكيف تنسب جميعها إلى إمام المذهب .
3- أصحاب الإمام ومجتهدو المذهب لم يكونوا يتابعونه في كل ما ذهب إليه في مسائل الفروع ، فلا يجوز أن تنسب أقوالهم إلى أمامهم مع اختلاف الاجتهاد .
4- كثر الخطأ في نقل أقوال الأئمة ، والقياس على أقوالهم والتخريج على قواعدهم ، وحشى كثير من المتأخرين المذهب بأقوال لا تنطبق على أصول إمام المذهب .

صحح بعض العلماء نسبة الأقوال الصادرة من علماء المذهب إلى أمام المذهب على سبيل التجوز ، أي أنه قول أهل المذهب ، والقائلون بما لم يقل به إمامهم يصح نسبة قولهم إليه لأنهم ساروا على نهجه ، وقد يخالفونه لأنهم بلغهم حديث لم يبلغه ، وعد بعض أهل العلم أقوال علماء المذهب مذهباً للأمام ، وأن خالفوا قوله لأن كثير من الأحكام التي نص عليها المجتهد صاحب المذهب بناء على ما كان في عرفه وزمانه ، وقد تغيرت بتغير الزمان ، ولو كان صاحب المذهب في هذا الزمان لقال بها ولو حدث التغير في زمانه لم ينص على خلافها ، وهذا جرأ المجتهدين في المذهب الحنفي وأهل النظر الصحيح من المتأخرين على مخالفة المنصوص عليه من صاحب المذهب .

تصحيح الأئمة لمذاهبهم :

كان الأئمة دائمي التصحيح والتنقيح لمذاهبهم ، قال الشافعي : فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة فقد رجعت عنه " ، وقال مالك " إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به ، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه " .

من الأئمة الذين دون مذهبه بنفسه وأعاد تصحيحه وتنقيحه : الإمام الشافعي فمذهبه الجديد الذي دونه في مصر يمثل تصحيحاً وتنقيحاً لمذهبه القديم ، وقد تواترت الأقوال عن أئمة الشافعية في وجوب المصير إلى أقوال الشافعي في مذهبه الجديد ، وعدم جواز عد القديم مذهباً له .
إلا أن إفتاء علماء المذهب بقديم قول الإمام قد لا يكون من قبيل عدهم تلك المسائل مذهباً للإمام بل هو الذي أداهم إليه اجتهادهم لظهور دليله ، وهم مجتهدون فأفتوا به ، ولا يلزم من ذلك نسبته إلى إمام المذهب .

السبب في صعوبة معرفة الصحيح من المذهب :

بالنسبة للإمام الشافعي فأنه بتصحيحه مذهبه سهل على من بعده معرفته بالرجوع إلى مذهبه الجديد ، وأما مذهبه القديم فلم يحفظ ولم يبقى منه إلا صفحات متناثرة في كتب أهل العلم .
أما غيره من الأئمة فأن ما حفظ عنه أصحابه وتلامذته من أقواله ومروياته يمثل مذهبه ، وما لم يرجع عنه ، وقد يشير الواحد من الأئمة إلى ما صار إليه اجتهاده فيقول في أحد القولين : هذا أحب إليِّ ، أو هذا أولى ، وبالحق أشبه ، وقد يذكر القولين ويفرع على أحدهما ، فهذا التفريع يدل على قوته عنده .

إن معرفة المتقدم والمتأخر من مذاهب الأئمة غير الشافعي فيها صعوبة ، فالمسائل التي حدد بها الإمام أحمد صحيح مذهبه قليلة جدا بجانب ما لم ينص عليه من الأقوال والروايات في المسائل .
لا يصح أن نجزم بمذهب إمام حتى نعلم أنه أخر ما دونه من تصانيفه ومات عنه ، أو نص عليه ساعة موته ، والتصحيح الذي في مذهب أحمد إنما هو من اجتهاد أصحابه بعده ، كابن حامد ، والقاضي وأصحابه ، ومن المتأخرين الشيخ أبو محمد المقدسي ، والإمام ابن تيمية .

جهود علماء المذهب في تأصيل المذهب وتصحيحه :

بذل علماء كل مذهب جهودا كبيرة في تأصيل مذهب إمامهم وتصحيحه .

جهودهم في فقه أقوال الإمام وتحديد مذهبه :

درس أصحاب كل مذهب الثروة العلمية التي تركها إمام المذهب ، فكلام الإمام في مسألة قد يكون صريحا واضحاً لا تختلف العقول في فهمه ، وقد يكون تعبيرا تختلف العقول في تحديد مراده من كلامه ، فيجب فقه كلامه على النحو الذي دل عليه ، وقد دل مالك في موطأه عن مراده من بعض ألفاظه فأغنى غيره عن الاجتهاد في تحديد مراده من تلك الألفاظ .
ولكن الكثير الغالب عدم تحديد الإمام لمراده من تعبيراته التي تختلف العقول في فهمها ، وهنا يختلف أصحابه وأتباعه في فقه كلامه ، وتحديد مراده ، مثل اختلاف أصحاب أحمد بن حنبل في قوله " أكره ، أو لا يعجبني ، أو لا أحبه ، أو لا استحسنه ، أو يفعل السائل كذا احتياطاً " فقال بعضهم تدل على التحريم ، وقال آخرون : تدل على التنزيه ، وقوله " أحب كذا ، أو يعجبني كذا ، أو هذا أعجب إلى " فهو للندب على الصحيح من المذهب ، وعليه جماهير علماء المذهب .

وقال بعض علماء الحنابلة : هذه الألفاظ تفيد الوجوب ، وإذا قال في مسألة " أجبن عنه " قالوا : يعني الجواز ، وقيل : الكراهة .
وإذا قال " أخشى ، أو أخاف أن يكون ، أو لا يكون " ظاهر في المنع ، وقيل : هو كقوله يجوز أو لا يجوز ، وقيل : بالوقف .

جهودهم في تصحيح المذهب وتنقيحه :

بذل العلماء جهدا كبيرا في تصحيح المذاهب التي ينتسبون إليها وتنقيحها ، حتى في المذاهب الأخرى ، فكل مذهب يزخر بالعلماء المجتهدين الذين ينظرون في المسائل وأدلتها ، فلا يتقيدون بما بلغهم من فتاوى إمام مذهبهم ، فما ذكرت فتاوى أبو حنيفة إلا وذكرت معها فتاوى أبو يوسف، ومحمد وزفر والحسن وغيرهم ، وما ذكر الشافعية فتاوى الشافعي إلا ومعها فتاوى البويطي ، والربيع المرادي ، والمزني ، وهكذا الحال عند المالكية والحنابلة .
وظهر علماء اجتهدوا في تصحيح المذهب فيما فيه قولان أو ورايتان ، فكان لكل عالم اختياره واجتهاده ، واجتهدوا في كل عصر في المسائل المستجدة ، وقد نبه كثيرون إلى الأخطاء التي وقعت في المذاهب الفقهية ، ومن هؤلاء أبو شامة الشافعي المذهب والنووي ، وابن عابدين من الحنفية وغيرهم .

الطرق التي سلكها علماء كل مذهب في تحقيق المذهب :

1- التأكد من صحة نسبة الأقوال والروايات لإمام المذهب .
2- التوفيق بين القولين إذا كان للإمام قولين صحيحين وأمكن الجمع بينهما ، فيحمل عام كلامه على خاصة ، ومطلقه على مقيده .
3- ترجيح القول المتأخر لأنه ينسخ المتقدم .
4- الترجيح بين قولين بما يوافق أصول المذهب .
5- توجيه المحققين إلى الراجح من المذهب والفتوى به .
6- التوقف عند عدم القدرة على الترجيح .

التخير من الأقوال والوجوه بالتشهي والهوى :

من يتخير من كل مذهب من أقوال إمام المذهب وأقوال أصحابه وعلماء مذهبه بما يحب ويشتهي من غير مرجح ، ولا عمل بالقول الراجح ، فأنهم يتبعون الهوى والعمل بالدين بما يشتهون ، وقد أدى إفتاء المفتي بما شاء من أقوال من غير نظر إلى القول الراجح إلى التلاعب بدين الله ، وقد نهى رب العزة عن إتباع الهوى " وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ " ومتى رد المرء أموره إلى الهوى فإنه يكون قد اتخذ الهوى إلهاً معبوداً " أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ " .

نماذج من جهود مصححي المذهب :

1- الإمام النووي ، شرح المهذب لأبي إسحاق إبراهيم الشيرازي وهو من الكتب المعتمدة في مذهب الشافعية في كتابه ( المجموع ) .
2- الإمام المرداوي محقق المذهب الحنبلي في كتابه ( الإنصاف ) .
3- الإمام ابن عابدين محقق المذهب الحنفي في كتابه ( حاشية ابن عابدين ) واسمه حاشية رد المختار على الدرر المختار .
4- الإمام القرافي محقق المذهب المالكي في مقدمة كتابه ( الذخيرة ) .

اجتهاد علماء المذهب :

بذل علماء كل مذهب جهدهم في معرفة الحق في المسائل التي تعرض عليهم ، ويقرون ما اقتضاه نظرهم في ضوء النصوص من الكتاب والسنة ، ووفق الضوابط والقواعد التي قعدت في علم الأصول ، وهم قد يوافقون إمامهم أو يخالفونه . مثل : ابن القاسم وأشهب في مذهب مالك ، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن في المذهب الحنفي ، والمزني والبويطي في مذهب الشافعي ، فهم فهموا مقاصد الشريعة ، فالاجتهاد منهم وممن كان مثلهم صحيح لا إشكال فيه .

المنهج الذي ينبغي لفقهاء كل مذهب إتباعه :

الأئمة أقاموا مذاهبهم على ضوء الكتاب والسنة ونهوا من بعدهم عن متابعتهم فيما ذهبوا إليه من غير النظر في مأخذهم وأدلتهم ، وحرموا على أتباعهم متابعتهم إذا ظهر لهم من النصوص ما يخالف أقوالهم إذا كانت النصوص على خلاف ما ذهبوا إليه ، وسار على هذا النهج العلماء الأعلام في كل مذهب .

كيف ينسب العلماء إلى مذهب إمام من الأئمة إذا خالفوه فيما ذهب إليه :

كثير من أهل العلم يرون أن الذين يختارون مذهب ويقدمونه على غيره ، فأنهم اختاروا السلوك على طريقة أصوله في استنباط الأحكام ، وأما التقليد في الفروع فهو للضعفاء الجامدين ، إلا أنه قد خالف بعض الأصحاب إمام المذهب في أصوله التي بني استدلاله عليها ، كأبي يوسف ، وكثير من الأصول الثانوية المنسوبة إلى كل إمام مذهب لم ينصوا عليها ولكنها مستخرجة ومستنبطة من كلامهم ، وعلى ضوئها ألف أصحابهم وتلامذتهم قواعدهم كالقرافي وعياض والمقري من المذهب المالكي ، وهكذا الحال في مذهب الشافعية والحنابلة .

القياس على قول الإمام :

أختلف العلماء في مسلك بعض العلماء الذين يقيسون مسألة ليس للإمام فيها قول على مسألة له فيها قول ، فرأى ابن عرفة المالكي : أنه إذا كان المستخرج لها عارفاً بقواعد إمامه ، وأحسن مراعاتها ، صح نسبتها للإمام ، وجعلها من مذهبه ، وإلا نسبت لقائلها ، رجح ابن قدامه والطوفي جواز ذلك ولكنهما اشترطا أن يكون ذلك بعد الجد والبحث إذا كان القائس من أهل النظر والبحث ، وأجاز القاضي من الشافعية ذلك .

والقول الراجح في المسألة :
1- إذا نص الإمام على حكم في المسألة ، وبين علة الحكم ما هي ، ثم وجد أصحابه وعلماء مذهبه تلك العلة في مسائل أخرى ، فمذهبه في تلك المسائل كمذهبه في المسألة المنصوص عليها .
مثاله : إيجاب المالكية الزكاة في التين ، مع أن مالكاً لم يذكره في التين زكاة ، والسبب أن علة الزكاة في الثمار عند مالك هي : الاقتيات والادخار ، وهذه موجودة في التين وهو ما يظن أن مالك لم يكن يعلم بذلك .
2- من القياس الصحيح الذي يصح أن يجعل الحكم فيه منسوباً إلى الإمام جواب الإمام بأصل يندرج تحته مسائل ، خرج جوابه على بعضها فإنه يجوز أن ينسب إليه بقية المسائل بطريق القياس.
3- إذا علم أن بين المسألة المنصوصة وغير المنصوصة فرقاً لم يجز القياس .
مثال ذلك : نص الإمام احمد على أن الرجل إذا شهد الجنازة فرأى فيها منكرا لا يقدر على إزالته فأنه لا يرجع ، وإذا دعي إلى وليمة عرس ، فرأى فيها منكراً لا يقدر على إزالته فأنه يرجع ، سأل ابن القيم شيخه ابن تيمية عن الفرق بينهما فأجابه " أن الحق في الجنازة للميت ، فلا يترك حقه لما فعله الحي من المنكر ، والحق في الوليمة لصاحب البيت فإذا أتى فيها بالمنكر فقط أسقط حقه من الإجابة ".
4- إن لم ينص الإمام على العلة ، ولم يعرف الفرق ، فالذي يرجح أنه لا يجوز القياس ، قال الإمام الشافعي ( لا ينسب لساكت قول ) .
5- إذا نص إمام المذهب على مسألتين بحكمين مختلفين لم يجز أن ينقل حكم إحداهما إلى الأخرى ويخرجه قولاً له فيها ، فيصير فيها قولان ، بل هذا أولى بالمنع .
6- بعض الفقهاء يقيس على مفهوم قول الإمام ، وفعله وتقريره ، وخالفهم في هذا غيرهم والحق إن ما ينص عليه الإمام لا يجوز أن يقاس عليه بحال .

المصطلحات التي تحكي المذهب والاختلاف فيه وتبين قوة الاختلاف وضعفه :

1- النص :

يرد في كتب المذاهب قولهم : نص عليه ، أو المنصوص عليه ، ومرادهم أن أمام المذهب نص على هذا القول بعبارة صريحة واضحة .

2- الأقوال والروايات :

يريدون بالأقوال والروايات ما صد عن إمام المذهب من اجتهادات ، وقد يكون للأمام في المسألة قول واحد أو قولان ، أو أكثر من ذلك ، إلا أن فقهاء الشافعية يستعملون الأقوال بينما يستعمل فقهاء المذاهب الأخرى : الروايات ، والسبب أن الأمام الشافعي دوَّن فقهه بنفسه ، أما البقية روى عنهم فقههم بطريق النقل .

3- الوجوه : هي الآراء التي استنبطها أصحاب الشافعي المنتسبون إليه من الأصول العامة للمذهب بتخريجها على ضوء القواعد التي رسمها لهم الإمام الشافعي ، أو هي : ما أدى إليه اجتهادهم على ضوء قواعد المذهب ، ولا يخرج عن نطاق المذهب .
وليس هذا التعريف قصرا على مذهب الشافعي بل عام في كل المذاهب ، فهي الحكم المنقول في المسألة لبعض أصحاب الإمام المجتهدين فيه ممن رآه فمن بعدهم ، جارياً على قواعد الإمام .
الأقوال والروايات هي لإمام المذهب ، والأوجه هي لأصحاب الإمام ومن بعدهم .

4- الطرق : هي اختلاف الأصحاب في حكاية المذهب فيقول بعضهم مثلا : في المسألة قولان ، أو وجهان ، ويقول الآخر : لا يجوز قولا واحداً ، أو وجها واحداً ، أو يقول احدهما : في المسألة تفصيل أو فيها خلاف مطلق .

5- المذهب :
يريد الفقهاء به القول الراجح المفتى به عندهم ، وقد يكون قول الإمام أو قول أصحابه .

6- التخريج : هو بناء فرع على أصل بجامع مشترك ، وقد يكون التخريج من القواعد الكلية للإمام ، أو الشرع أو العقل .

الفرق بين التخريج وبين النقل والتخريج :

النقل والتخريج يكون من نص الإمام بأن ينقل عن محل إلى غيره بالجامع المشترك ( بين محلين ) والتخريج يكون من قواعده الكلية .
مثاله : لا يصح التيمم لفرض قبل وقته ، ولا لنفل في وقت المنع منه ، ويبطل التيمم بخروج الوقت ، ولا يصلى به حتى يحدث ، ويتخرج خلاف ذلك كله بناء على أن التيمم يرفع الحدث وهو قاعدة ( من قواعد ) التيمم ، وإن كان مرجوعاً عنه .
التخريج أعم من النقل والتخريج ، لأن التخريج يكون من القواعد الكلية ، أما النقل والتخريج فهو مختص بنصوص الإمام .

7- الصحيح والضعيف والأصح والأظهر والأقوى ونحو ذلك :

- يستعمل الفقهاء في كل مذهب ألفاظاً كثيرة تحكي الخلاف في المذهب وتبين الصحيح والضعيف فيه أو ما هو أصح وأظهر , يسميها الحنفية ( برسم المفتي ) .
- وضعت هذه الألفاظ لأهل التقليد من أتباع المذهب بعد أن قل المجتهدون ، وكثر المقلدون ، ومن هذه الألفاظ قولهم في حكاية الاختلاف : فيه قولان ، أو روايتان ، أو وجهان ، ويريدون حكاية الخلاف وليس الترجيح بهذه الألفاظ ، فإذا أرادوا بيان صحيح القول أو الرواية أو الوجه أو ضعيفها أطلقوا لفظ : الصحيح والضعيف .
- إذا كان في المذهب روايتان أو قولان أو وجهان صحيحان أحدهما أصح من الآخر ، قالوا : الأصح والأظهر .
- إذا أطلق علماء مذهب من المذاهب في مسألة ما قولهم ( المذهب أو على المذهب ) فيريدون به الراجح في حكاية المذهب .
- يريدون بالمشهور القول أو الوجه الذي اشتهر بحيث يكون مقابله رأيا غريباً .
- من علامات الفتوى عند الحنفية قولهم : عليه الفتوى ، وبه يفتي ، وبه نأخذ ، وعليه الاعتماد ، وعليه العمل ، وهو الصحيح ، وهو الأصح ، وهو الأظهر ، وهو المختار في زماننا ، وفتوى مشايخنا ، وهو الأشبه وهو الأوجه " .
- ومنها عند الحنابلة : الصحيح ، الأصح ، الظاهر ، الأظهر ، المشهور ، الأشهر ، الأقوى ، الأقيس .
- وعند الشافعية يستخدمون الألفاظ الدالة على الصحيح والأصح والراجح من المذهب من معانيها اللغوية .
- الإمام النووي له بعض الاصطلاحات الخاصة به منها قوله ( على الصحيح أو الأصح ) أي الوجه المختار عنده ، وقوله ( على الأظهر أو المشهور ) أي الراجح من قولي الشافعي أو أقواله ، وقوله ( على المذهب ) أي أقوى الطريقين أو الطرق ، وقوله ( على الصحيح أو المشهور ) يدل على ضعف الخلاف ، فإذا قوي الخلاف قال : ( على الأصح أو الأظهر ) .
- وللغزالي مصطلحات خاصة به فقوله ( الأظهر والأصح ) على الراجح من المذهب قولاً أو وجهاً.
- وفقهاء المالكية يريدون بالراجح عند إطلاقهم له ما قوي دليله المعتمد عندهم في المشهور : ما كثر قائله ، وقيل : ما قوي دليله ، والمشهور عند المالكية يقابله الغريب ، والصحيح يقابله الضعيف ، والأظهر فيه إشعار أن مقابله فيه ظهور ، لأنه أسم تفضيل ، والأصح يشعر بصحة مقابله .


إلى هنا توقفنا في المحاضرة الرابعة ،، بالتوفيق للجميع :)

 

توقيع براري  

 



اللهم هي ( آمي ) ...
آلتي حَرمت نَفسـهآِ منْ آمور لتسعٌدنآ
آللهم آرزقـهآ جَنتك فِيْ الآخرة
وَ فرّج همّـهآ فِيْ آلدٌنيآ




 

براري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس