ميسون الدخيل
من يتخل عن نقطة يسهل عليه أن يسلم بحرا..
يقول المفكر السعودي إبراهيم البليهي عن الحضارة الغربية في مقابلة أجرتها معه الزميلة "عكاظ"، أنها "ليست مدينة لأية حضارة، وإنما هي نتاج ذاتها، إنها ذات مكونات وخصائص تختلف بها عن كل الحضارات السابقة واللاحقة، إنـها نتاج الفكر الفلسفي الذي أبدعه اليونانيون، فقد اعتمد الأوروبيون على هذا الفكر"! هذا والله قول عجب! مع احترامي الدائم لرأي وفكر الآخر، ولكن أجد أنني هنا ليس فقط لا أتفق معه بل أيضا أرفضه.
يقول بوستيل إن "أقدم لغة هي اللغة العربية في لهجتها السريانية الشرقية الأكادية… وهي أصلاً للغتين الإغريقية واللاتينية" فهل يستطيع أن يفسر لنا العالم المفكر مشكوراً هذه المعلومة من حيث دلالاتها على العلاقة بين اللغة ونشأة الحضارة. كما أرجو منه مراجعة المكتشفات الحديثة في "أوغاريت" لعل وعسى يدله بعض مما وجد وترجم وحلل من قبل المختصين في الغرب قبل الشرق، كيف نشأت الحضارات قبل الحضارة اليونانية، ونحن نعتمد بالطبع على أن كلمة حضارة واضحة ولا تحتاج إلى تعريف. وأطالبه أيضا بمراجعة كتب لمختصين، وهنا لن أذكر علماء ومؤرخين عرب بما أن إنجازاتهم تضمحل وتختفي أمام معجزات الغرب الذي ولدت حضارته وفكره وثقافته من فراغ، بل سأستعين بالعلماء الأجانب الذين حسب قوله، حرروا الإنسان من خلال حضاراتهم، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، من بريطانيا ألبرت بوغ وثوماس كيبل في اللغويات، من فرنسا بيار روسي، ومن ألمانيا سيجرد هونكد. وأخيرا ليتفضل مفكرنا الفاضل بشرح أصل كلمة “الديموقراطية” التي أتاحت حسب قوله نتاج كل هذا الفكر اليوناني العظيم.
إن ما يحدث هذه الأيام من حولنا بسبب تقاعسنا عن دراسة التاريخ وتدريسه كما يجب دون اختيار أو تفضيل بل بكل موضوعية، وحسب معايير وضعها المؤرخون في جميع الأزمنة المتتالية منذ تطور هذا العلم، إن هذا النقص أدى أن لكل من "هب ودب" يأتي ليفرغ الإناء الذي يحتوي على هويتنا وجذورنا ومن ثم يسهل صب ما يراد له أن يكون بداخلنا، وبهذا نتقبل الصورة التي يريدوننا أن نرى أنفسنا عليها، وبكل روح "مدنية، وحضارية" حسب وصفهم لمن يتبعهم أو بالأحرى مُسيرة حسب تنبيهات أول وأعظم كتاب أنزل إلينا من الحكيم العزيز؛ القرآن الكريم... الذي يطالبنا مرارا وتكرارا بالتأمل والتدبر والتفكير..
إنه العقل... يا أمة اقرأ، الذي ميزنا به رب العزة، كيف نسمح له بأن يُعطل ونسير وراء رواد النقل دون استخدام العقل، سواء كانوا من بني جلدتنا أو من الخارج؟!نعم يجب أن نعترف ونعطي كل ذي حق حقه ولكن هذا لا يعني أن تداس حقوقنا وتهان كرامتنا بتهميش تاريخنا وإنجازاتنا... أي أرضية سنترك للأجيال القادمة إن نحن تساهلنا بحرف...نعم تساهلنا أمام جريمة كتزوير حرف قبل الكلمة والعبارة... من يتخلى عن نقطة سهل عليه أن يسلم بحر.... كفى لقد جفت ينابيع الإبداع وهجرتنا العقول والسواعد إليهم وليتهم يقدرون بل هل من مزيد... والمزيد عندهم دماؤنا ومستقبل أبنائنا...فليتقدم الفائز في هذه الملحمة ويتسلم قلب أمتي مشكورا..."وعلى أونة وعلى دوي مين بدو يزيد مين" ؟!