صالح محمد الشيحي
أي وقت بقي ليستمتع هؤلاء بحياتهم؟!
قبل فترة ليست بالبعيدة كنت في أحد البنوك حينما دخل أحد كبار السن.. توقف في منتصف الصالة موجها نظره نحو مكتب مدير البنك.. ملامحه بدا عليها التعب والإرهاق.. علامات الفقر والأسى واضحة تماما على هيئته.. الثوب الذي كان يرتديه من الثياب الصينية الصفراء الجاهزة " أبو 15 ريال".. شماغه مهلهل الأطراف لطول الاستخدام.. الحذاء الذي يرتديه لا يصلح حتى للحمام.. قلت في نفسي "قاتل الله الفقر"!
أشفقت عليه جدا، كان يمسك بيده فاتورة كهرباء يريد تسديدها.. أردت أن أقدم له المساعدة بأن أتبرع له بسداد الفاتورة يقينا مني أنها لن تتجاوز خمسين ريالا.. فأي أجهزة في منزل هذا المسكين كي تستهلك الكهرباء.. وفور أن تقدمت منه كان قد تحرك وتوجه نحو قسم عملاء التميز في البنك.. قلت لعله يريد من عملاء البنك الكبار أن يعطفوا عليه. في ذلك المساء قابلت أحد الأصدقاء العاملين في نفس البنك، فقادني الفضول لأن أسأله عن ذلك الرجل، وبعد أن وصفته له، وهل يعرف له عنواناً؟.. نظر لي باستغراب وقال:" إنت تمزح" ؟!
وقبل أن أرد، فاجأني بقوله: " إنت وين عايش.. هذا ابن فلان.. أهم عملاء التميز عندنا في البنك.. ثروته بالملايين"!!
ـ لا تؤاخذوني جلست فترة طويلة وأنا مصدوم جدا، وناقم على هذا التاجر" أبو ملايين"!
من الممكن أن أفهم أي شيء.. إلا أن أفهم كيف يزداد جشع الإنسان كلما طال به العمر؟.. أقولها والله جادا: هؤلاء الذين يكنزون الملايين.. لماذا يكنزونها طالما لا ينوون الاستمتاع بها؟! لماذا يكنزونها طالما لا تحقق لهم ولغيرهم السرور؟
ثوب سيئ.. حذاء رديء.. رائحة عفنة.. شعر مهلهل.. منزل متهالك.. سيارة بالية.. حياة تقوم على الشقاء والعذاب منذ الفجر وحتى الغروب.. أي وقت بقي ليستمتع هؤلاء بحياتهم؟