أحمد الله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، وأصلى وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين .
لقد جاء إعلان القرآن الكريم بتكريم وتفضيل الإنسان على الأرض ، إعلانا واضحا لا مزايدة فيه ، هذا الإنسان المركب من جسد ، وروح ، وجنان ، ووجدان ، وعواطف ، ومشاعر ، وغرائز فهو مكرم على الإطلاق ، ومفضل على كثير من الخلائق تفضيلا .
هذا التكريم المطلق لبني الإنسان ، يضعه أمام تحد كبير في كيفية تفعيل وتنشيط مكوناته المادية والروحية وجعلها تتناغم وتنسجم مع مراد خالقه على الأرض .
لذلك جاء القرآن الكريم ، بآياته وتشريعاته وتوجيهاته ومقاصده العامة ليرشد الإنسان إلى كيفية تحقيق السلام في الأرض ، السلام مع النفس ، والسلام مع الرحم ، السلام مع الجار ، السلام مع الأخ والصديق والزميل ، السلام مع الزوجة والأبناء ، السلام حتى مع بقية الكائنات من حيوانات ونباتات ، السلام حتى مع البر والبحر فيما يعرف اليوم بالحفاظ على البيئة أو التوازن البيئي .
وهكذا جاء في سورة المائدة توضيحا للمقاصد الكلية للهدى والتنزيل ( يهدي به الله من إتبع رضوانه سبل السلام ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ) .هذه المقدمة أردت الإستئناس بها لدعوة نفسي وإياكم أن نستثمر هذا العيد السعيد( عيد الأضحى المبارك ) لنجعله مبتدأ لإحالة حياتنا كلها إلى سلام ، إلى وئام ، وإلى عفو وتسامح وتصالح مع أرحامنا وأهلينا وأخواننا وأخواتنا وجيراننا وأصدقائنا ، وأزواجنا وأبناءنا.
أردت أن أذكر نفسي وإياكم أن نستقبل هذا العيد ( بفكرة جديدة ) ، نعلي من خلالها قيمة التسامح وقيمة العفو والصفح والصلح ، والتجاوز في حياتنا ، هذا العيد السعيد هو أحد النفحات التي يظللنا بها هذا الدين العظيم ، هو فسحة في حياتنا الإجتماعية علينا أن نوظفها لترميم وإصلاح ومعالجة كلما ألقاه الشيطان في أنفسنا ضد بعضنا البعض .
علينا أن نتفكر ونسأل أنفسنا لماذا لا نتعبد الله بممارسة وإعلاء قيمة العفو والتسامح والتصالح والتجاوز لبعضنا البعض في حياتنا ، سيما في هذه الأعياد ( الفسحة في الدين ) ، لماذا لا نصل ما أمر الله به أن يوصل ، لماذا لا نكون في موضع الخيرية والمبادرة إلى السلام ووصل ما إنقطع ، لماذا لا نصعد سلم المحسنين ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) ، لماذا لا نرتقي لمستوى هذه الآية من سورة فصلت ( إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ).
ما الذي يمنعنا ان نقتطف هذه الثمرة الموعودة في سورة النساء ( لا خير في كثير من نجواهم ، إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ، ومن يفعل ذلك إبتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ).
لماذا لا نحذر الخطر الجاسم والمحدق بنا في هذا الموضع من سورة محمد ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمي أبصارهم )
إخواني وأخواتي :-
هذه المعاني وهذه القيم من التسامح والتصالح والتجاوز تمثل أفكارا رائعة وجميلة ولها طعم لا يستطعمه إلا من وفق إليها ، وأنا أبشر وأضمن لكل من عزم وحمل نفسه مع إطلالة هذه العيد السعيد ، وذهب إلى أرحامه ، أو جيرانه ، أو زملائه أو أصدقاءه ، مادا يد العفو والصلح والتسامح والتجاوز ، أن يجد عزا ويجد راحة ويجد سكينة ويجد إرتقاء في نفسه وسعة في حياته وبركة في عمره .
أخيرا أختم بما هو ( مسك ) إنها بشارة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، المبعوث رحمة للعالمين صلوات ربي وسلامه عليه عبر هذين الحديثين الشريفين :-
قال صلى الله عليه وسلم (( من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ملأ الله جوفه أمنا وإيمانا .
قال صلى الله عليه وسلم (( من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء .
ألا نحب أن نسجل أسماءنا في هذا السجل المفتوح ومداده وقلمه هو هذا العيد القادم ، إلا نحب أن يدعونا ملك الملوك على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، إنها فرصة العمر ، وإنها ( الفكرة الجديدة ) التي نأمل أن نستقبل بها هذا العيد المبارك .
وكل عام وأنتم بخير .