علي القاسمي .. الحياه .. !
ماء... وزيت!
يتجه الشاب بوالدته المسكينة إلى قارئ يوصف بالخبرة، إثر مرض مفاجئ عارض، عجز الأطباء القريبون في المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية المجاورة عن اكتشافه، فضلاً عن أن جيبه النحيل - إلا من أوراق المراجعات والمطالبات - عجز هو الآخر عن متابعة وكشف حال الأم في المراكز المرموقة، وحتى في المستشفيات الخاصة تلك التي تعرف الجيوب جيداً، وتجيد نبشها وتفتيشها بطريقة نحن أول من نرتضيها لبحثنا الوقتي السريع عن لذة العافية بأي ثمن! القارئ تم التوصل إليه والوصول إليه عبر وساطة أكثر من شخص، وهذا ما طمأن الشاب العاطل بأن الواسطة ليست محصورة في البحث عن وظيفة، بل امتدت لتصل إلى الحصول على من يسمى «شيخاً لأعمال الرقية الشرعية» وبمقابل مجز، من دون صيغة رسمية أو رقابة لازمة. الحواجز الموجودة وصعوبة الوصول، تقنعان الأنفس بأن وكيل العلاج الحصري، وبوادر العافية موجودان هنا في الغرفة المليئة من المنزل القصي! يتمتم الشيخ بصوت خافت ليس مع الشاب وأمه، بل مع الكل في تظاهرة عامة، وكأنه المخفي من التمتمات والهمسات وصفة سحرية محتكرة، ولا يمكن لحظتها قول شيء، حركة الشفاه الظاهرة تبعث الثقة والطمأنينة بأن هناك اجتهاداً بالغاً وعملاً دؤوباً من أجل كشف العلة، ومنح وصفة علاج تتطابق مع الكل، انتهى الشيخ من القراءة، واستدعى عاملاً ضخم البنية، وربما كان لاختياره علاقة بالإمساك بالضحية حال انفلاتها، أو تأثر المرافق من الموقف الذي ربما يحدث، ذهب الضخم وأحضر علبة مياه واحدة، وقارورة زيت ونفث فيهما بشكل عاجل، لأن الوقت المخصص والمحدد لاستقبال المريض انتهى، فهناك في الخارج طابور طويل حضر للمكان عبر التنسيق المسبق، ووساطة المعارف وأهل التجربة، قال للشاب الضعيف دع والدتك تشرب من الماء في الصباح الباكر وقبل النوم، على أن تحرص على ألا ينقص محتوى العلبة الأنيقة عن النصف، وتضيف عليه حتى من ماء البحر، ولتمرر الزيت على جسمها أكثر من مرة، وتتناوب لحظتها العلاجات، والشرط ثابت، إلا انه زاد بان تكاليف القراءة والعلاج 300 ريال، وهنا وضعها العاطل خوفاً من أن يدوم الألم لأمله الغالي وسر تفاؤله، وخشية من أن يكون هناك سر مختف في الوصفة إن لم يؤخذ على محمل الجد، فسيتضاعف الوجع والألم. نثق بالناس سريعاً، ولوازم الثقة لا تتجاوز رائحة دهن عود، وثوب قصير، ولحية مشذبة، ومن دونها تتقلص وتتراجع القناعة والثقة وقوى الاندفاع، وأنا هنا لست ضد الرقية الشرعية على الإطلاق، ولكنني ارفض أن يستغل مسماها لاستنزاف البسطاء والضحك على الذقون، وتوزيع المياه وقوارير الزيت تارة بالمجان لمنح العمل الخيري صبغته، وأخرى بضعف القيمة الحقيقية للعلاج مئات المرات، فيما هم يختفون عن الأنظار إن كان هناك سؤال صريح أو متابعة جادة عن تفاصيل القراءة والعمل، وأرفض بشدة أن نأخذ كاريزما معينة تحت غطاء الدين لبيع الوهم، أن نضع مراكز متخصصة للرقية، مطلب مهم للخروج من مأزق الفوضى والبحث المضني والاكتفاء بمجرد قارئ، وأن نوقف هؤلاء عند الحد رغبة أكيدة، على أن تكون المراكز المستقلة أمام الأعين وتقرأها الوجوه عن قرب، لا أن تختفي هناك حيث يكبر مصدر الدخل، وتنام الأفكار!