محمد بتاع البلادي .. المدينه .. !
حكاية السيد عربي..!
• و للعربيّ مع الزيف والوهم حكايةٌ تستحق أن تُروى، وأن يُفرد لها، رغم تكرارها ونمطيتها.. فإن كنت من تلك الأمة التي تشغل المساحة بين ( مسقط ) شرقاً و ( نواق الشط ) غرباً ..فإنك بالتأكيد جزءٌ من الحكاية .. إذ لا بد أن تكون روحك قد سقيت بشيءٍ من ماء الوهم العربي الثقيل.. و أن رفوف مكتبة عقلك قد وضع بها كمّ لا بأس به من مجلدات و قواميس الكذب و الخرافة.. كما لابد و أن تكون جيناتك وخلاياك العصبية قد حُمّلت بأكثر مما تحتمل من شفرات الزيف والخديعة !..وقبل أن تضيق باتهاماتي ذرعاً ..إليك الحكاية منذ البداية.
• تبدأ قصة السيد (عربي) مع الزيف عند أول ظهور له في الوجود.. حين تبادره الأم ( باللهّاية ) ! .. لينام وهو يرتشف أولى جرعات الوهم والخديعة مع لبن أمه !..يكبر الطفل قليلاً فيبدأ بالحركة والكلام .. تدهشه الأشياء بالفطرة ، و تتكاثر الأسئلة في رأسه .. فيلجأ للتساؤل .. وتلك أولى إشارات المعرفة .. لكن ثورته المعرفية تُقمع في مهدها بقوة ظلامية تستنكر تساؤلاته البريئة .. و تعدها نوعاً من ( الهرطقة) التي لا يجوز الرد عليها!! .. و هنا ينقش في لوح الذاكرة الغضة أول دروس الدكتاتورية والقمع المعرفي !.
• يبدأ الطفل بالخروج والاستكشاف.. فتبدأ مرحلة جديدة من الوهم المقترن برعب الأسطورة.. مخلوقات خرافية تبقيه تحت الوصاية..هي ( النمنم ) في الرواية السعودية .. و (أم الليف ) خليجياً .. أو (السلعوة) في النسخة المصرية..قد تختلف المسميات بين قُطرٍ وآخر.. لكنها تتفق في غرس أكبر كمّ من الوهم و الخوف و الخرافة في القلب العربي اليافع ! .
• يلتحق بالمدرسة .. و هنا يظهر أوصياء جدد ، كما تظهر أدوات قمعٍ جديدة أهمها (غرفة الفئران)! ..و (الفلقة )!.. و كلها تهدف لتطهير نفس الصغير من آثام التساؤل و التفكير.. و القضاء على ما تبقى في قلبه من جيوب شجاعة المعرفة.. فلا اجتهادٌ مع نص (المنهج) الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ! .. و لا خروجٌ عن طريقة تفكير المعلم المقدسة!.
• يشب (عربينا) عن الطوق.. فتحاصره ثقافة المجتمع بوصايا تضع العقل في الكف.. فتارةً تطالبه بالتحول إلى ذئبٍ كي لا تأكله الذئاب !.. وتارةً تطلب منه إساءة الظن في كل شيء.. فـ (سوء الظن من حسن الفطن) ! .. يهرب إلى (الفضاء) بحثاً عن المعرفة التي لم يجدها في الأرض.. فتمطره قنوات الوهم بوابلٍ من الثقافة الرخيصة التي تشعل غرائزه أكثر مما تثير عقله.
• بعد كل هذه الجرعات المتتالية من الوهم والزيف والخوف -التي تركنا معظمها اختصاراً- لابد أن يتحول صاحبنا إلى مجرد طبعةٍ عربيةٍ جوفاء تحركها الغرائز و الشهوات أكثر من أي شيء آخر.. عربيٌ (ماركة مسجلة )! يؤمن بـ (الفهلوة) والقمع والعشائرية طريقا للوصول بدلا عن العمل والمسؤولية و التعاون.. يخوض مع الخائضين في بحور الدجل و الكذب، و يلعب دوره بإتقان في لعبة الضحك على الذقون!.
• لم تنته الرواية بعد .. فلحفظ السلالة (العريقة) لابد أن يقترن صاحبنا بعربيةٍ (حسناء).. أُنتجت تحت نفس الشروط والمواصفات القياسية العربية.. ليُخرجا للوجود (عربياً) صغيراً.. لا يضيف إلى العالم إلا رقماً فردياً في خانة الآحاد لتعداد العرب.. عندها يجتمع الوالدان سريعاً لاختيار اسمه.. و وضع تفاصيل خطة تأهيله بنفس قواعد اللعبة العربية.. لتعود عجلة الوهم والزيف بالدوران من جديد!.