تركي الدخيل
معي الأهل!
تختلف التسميات التي يطلقها البعض على المرأة، لكن ما يجمع بين كل تلك التسميات أنها قائمة على الكنايات. بعضهم يناديها بـ"ياهيش". قال أبو عبدالله غفرالله له: وهو منتهى الرقي، أمحق رقي. إلا أن يُقرأ الرُقي هنا، بأنه الرّقي، أي الجح لدى أهل العراق، وهو دلالة على أن من يقول للمرأة "هيش" جحة، وبيضاء أيضاً. وينادونها تارة أخرى بـ"يا مرة" وإذا أراد أن يخبرك أن زوجته وشريكة عمره معه في مشوار أو مناسبة قال لك بشيء من الانكسار: "معي عيالي"، أو معي "الأهل"! حتى وإن كان حديث عهد بزواج ولم يصبح بعد أباً ولم يذق طعم الولد! بل ربما لم يجف حبر عقد نكاحه بعد، وإذا سئل أين أنت تنحنح حرجاً، ثم قال: "أنا مع أهلي" أو "معي عيالي"، هذا بعد أن أوشكنا على نسيان ظاهرة من يتبع الحديث عن المرأة بقوله: أكرمكم الله، وأقول للقارئات قبل القراء: أكرمكم الله عمن كان يفعل ذلك!
الدكتور مرزوق بن تنباك في كتابه "الوأد عند العرب"، يعتبر هذا السلوك شكلاً من أشكال "الوأد المعنوي للمرأة" أن يستحي البعض من التصريح باسم الزوجة ولو حتى بالتلميح، مع أنه لا شيء يطرب الإنسان مثل أن يُنادى بأحب الأسماء إليه. أوه سامحنا يا دكتور مرزوق بعضنا لم يرفع المرأة لتصل إلى مرحلة الإنسان.
بعض الناس ربما لا يستطيع نطق اسم زوجته من شدة التغطرس والاحتقار للمرأة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لنا أمثلة كثيرة في الانبساط مع أزواجه وفي تقديره لهن، لقد كان يعاملهن بكل تقدير واحترام وكان يصرح بحبه لعائشة، وفي الحديث المتفق عليه: (سئل أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ قال: عائشة قال: فمن الرجال؟ قال: أبوها).
ويذكر ابن القيم حينما عرج على خصائص عائشة في كتابه "جلاء الأفهام": (أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يومها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقرباً إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيتحفونه بما يحب في منزل أحب نسائه إليه).
وكان صلى الله عليه وسلم يتحدث عن زوجاته بأسمائهن الصريحة بل ذكر اسم صفية واسم والدها حينما خرج معها إثر زيارته في المعتكف، عندما عجل صحابيان بمشيهما بعد رؤيته مع امرأة خجلاً بقوله: (عَلَى رِسْلِكُمَا ، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ).
قال أبو عبدالله غفر الله له: إذا كان الرجل يطرب حينما ينادى بأحب الأسماء إليه فكذلك المرأة، وما زلت أذكر أن أحدهم بعث لي إيميلاً يريد أن يسبني، فقال لي يا ابن مزنة، فقلت له في ردي: لو كنت أمامي لقبّلت رأسك، لأنك ذكّرتني بأمي فدعوت لها بالرحمة، ودعوتني بأحب الناس إليّ.