إبراهيم عبدالله مفتاح
.
.

.
.
بساطة صاحبي وفلسفة «سقراط»!
.
.
الكاتب المعروف أنيس منصور ذات مرة في إحدى زواياه اليومية في صحيفة «الشرق الأوسط» كتب يقول «كان أستاذنا العظيم سقراط إذا قلت له: صباح الخير يا أستاذ.. يسألك فورا: وما معنى الخير عندك؟ ومن هو الأستاذ؟ ولماذا؟ .. وإذا سألك: أنت رايح فين ؟ وقلت له: في ستين داهية. سألك: وما معنى الداهية؟ ولماذا رقم ستين وليس تسعين أو خمسين ؟».
وللذين لا يعرفون سقراط أقول: إنه أحد فلاسفة اليونان، كان يلقي دروسه في الأزقة، وبين الجماعات، بأسلوب عامي، ومن أشهر تلاميذه «أفلاطون»، وهو فيلسوف وحكيم يوناني آخر.
ليس هذا هو المهم، ولكن المهم هو: ما الذي يجمع بين فكر هذا الفيلسوف اليوناني العظيم - الذي ترك بصمات فلسفته، وتعاليمه، على جبهة الفكر العالمي، وكان له مريدون، وأتباع -، وبين إنسان بسيط جدا، لا يتجاوز تعليمه فك الحرف، ولا يرقى تفكيره إلى ما هو أكثر من الاهتمام باستلام مرتبه البسيط، الذي لا ينتهي الشهر إلا وقد استدان أضعافه، في محاولة لتغطية مصاريف أسرته، وزوجته، التي تنجب له كل ثلاثة أشهر مولودا، على حد زعم أحد الأصدقاء من ذوي النكتة اللاذعة..
كان صاحبي يجيء إلى مكتبه واجما كل صباح، وناقما على كل ما حوله، ساعاته الأولى من النهار لا تعرف فيها شفاهه عبارات الرضا، ولا تنفرج عن ابتسامة متفائلة، إذا قلت له: صباح الخير.. قال لي كما يقول سقراط: وما معنى صباح الخير، رغم أنه - بكل تأكيد - لا يعرف من هو سقراط، ولم يسمع به طول حياته، وربما - لو سمع به - لم يستطع نطق اسمه.. وإذا قلت له: هل وقعت على دفتر الدوام؟.. قال لي: وما معنى الدوام..؟.
أي والله هذا كان حاله، وكان يحرجني عندما لا أستطيع الإجابة على تساؤلاته تلك، وبسبب عجزي، كنت ألجأ إلى السخرية منه، أو إلى إلهائه بأي عمل كتابي، ورغم أننا قد تفرقت بنا السبل، «ومضى كل إلى غايته»، إلا أن صاحبي ما زال يشكل - في ذهني - أسئلة حائرة، أبرزها: هل كان صاحبي فيلسوفا خذلته الظروف، وعصفت بأفكاره سخرية المجتمع الذي لم يقدر له تلك الأفكار حق قدرها..؟!