محمد السحيمي
وصار للفنانين (أوباما)!
ماذا قال "أوباما"؟ لن تتذكر بالتفصيل، ولكن:كم مرَّةً تلعثم، أو تنحنح، أو "تَوقْعَنَ"/ قال: "في الواقع"، أو "تحقحق"/ قال: "في الحقيقة"، أو "تطبعن"/ قال: طبعاً؟ وكم مرَّةً قال دفعة واحدة: إن شاء الله، بإذن الله، بحول الله، قسماً بالله؛ فهو يخاطب العالم الإسلامي؟ وكم مرةً علَّق شريط حباله الصوتية عند: إإإإإإإإإإإإإإإ، إإإإلى أأأأن يستدعي كلمةً مهمَّةً، "زحلطن" من بلعومه، إلى الزائدة الدودية؟
ودعك من الكلام، وتأمل لغة الجسد، ولبلوغ أقصى درجات التركيز: استعن بالصديق mute، ابن الزميل/ "ريموت بن كنترول"، وتابع "أبا حسين الأملح"، وسجِّل: كم مرَّة حكَّ أذنه، أو أنفه، أو مسح شاربه وذقنه؟ أو فرقع أصابعه، أو عدَّل "كرفتَّتَه"، أو غيَّر ارتكاز وقفته ـ كـ"مالك الحزين" ـ أو تمنى لو كان "تركي الدخيل" موجوداً فيستعير غترته لمسح عرقه؟ أو لخبط في الأوراق فقرأ الثالثة قبل الثانية، ثم عاد بعد أن لحس لسانَه بأصبعه ـ وليس العكس ـ و.. هل كان معه، أو أمامه أوراق؟ أهو الارتجال ـ عدم التخطيط ـ الممدوح عند بني يعرب؟ إطلاقاً، فلقد حفظ ماسيقوله عن ظهر قلب، وتدرَّب عليه وله، كلمةً كلمةً، والأهم: حركةً حركةً، فلا تقطع تأملك وتابع: متى يكوِّرُ قبضته؟ ومتى يبسط كفَّيه؟ ومتى يشير باليسرى وحدها، أو باليمنى وحدها، ومِمَّن تعلَّم استخدام "اليسنى" و"اليمرى" معاً؟ ومتى يقترب من "المايك"، ومتى يبتعد قليلاً عنه؟ وكيف يضغط على الحروف والكلمات، حتى تقرأها بعينيك، كأوضح مايكون الوضوح؟ ومتى ترقُّ ملامح وجهه؛ حتى تشعر أنه سيتعاون مع "الحلا كله" لغناء "فريدته"؟ ومتى تكفهرُّ حتى تشعر أن "طرزان الأمة العربية"/ "أصالة نصري"، دخلت لتفسد الصفقة؟
وتذكَّر أنك تتابع الجسد ـ ومازال الصديق mute فارضاً سيطرته ـ فهل تجد صعوبةً في تمييز الفقرة التي يخاطب بها "حماس"، أو "إيران"، من التي يخاطب بها "إسرائيل"؟ أو استعراضه وضع العراق وأفغانستان وباكستان، من استعراضه ذكريات الطفولة في "إندونيسيا"؟ فإذا ابتعدت عنه الكاميرا، فانظر أين اختار موقفه من المسرح، في واحدةٍ من أهم نقاط اتخاذ القرار، وإبراز أهمية الحدث؟
تأمل، واستمتع، وأعد الشريط مرات عديدة، فأنت أمام فنان حقيقي، يدرك أنه ليس مطالباً بعرض أفكاره فقط، بل وغزو عقلك بها، غزو أمهر وأشجع الفرسان! فنان يندر أن تجد مثله في العالم العربي، كـ"خالد الفيصل"، إذا تحدث بروح "دايم السيف"!