[هذيان]

عبدالله السفر



أقبلَ الصّيفُ يا جيبي
في الصيف تنتعش أسواق مراكز التدريب، فتنتشر عروضها الترويجية في الشوارع والمجمعات التجارية ومواقف السيارات وأمام المساجد وعلى أبواب المنازل وتحت عتباتها، جميعها يباهي بخدماته النوعيّة والمميّزة وبعضها مُحلّى بالترفيه والرياضة سعياً إلى قضم كمية وافرة من كعكة العطلة العامرة بمئات الآلاف من الطالبات والطلاب والوقت المديد الذي يحتارون في تصريفه إذا لم يكن هناك فائض نوم ولا مسلسلات تركية. وجميلٌ الانتفاع بالوقت المهدور وجعله محطّةً رافعة لاكتساب المعارف وتحسين المهارات العلمية والحياتية، في جوانب الاحتياج التي يترجّاها المستقبل الدراسي والوظيفي ويتطلّبها الاتصال بالآخرين وإدارة العلاقة معهم. وجميلٌ أيضاً أن تعرف الأسرة هذه الفوائد فتحثّ أولادها على الالتحاق بتلك الدورات والبرامج والتي تركّز في مجملها على اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي وتطوير الذات.
لكن من غير الجميل أن تتحوّل مراكز التدريب إلى فكٍّ نهمٍ لا يقنع بالمعقول من الرسوم المالية، فنراها تبالغ وتضرب في "العلالي" بشكل لا يتوازى مع الخدمة المقدّمة ولا مع مدّة تلقّيها؛ في حدّها الأقصى من أربعة إلى ستة أسابيع. ولتصنعَ إغراءً جاذِباً ـ للتدافع إلى أحضانها ـ تلوّح بالعدد المحدود وبالمقاعد المحسوبة وبالوعد العظيم بالتغيير الجذري في المعارف والمهارات وفي الشخصية على نحوٍ خيالي غرائبي لا يُصدّق أبداً، فيتساوى هذا الوعد مع الإعلانات المزيفة المضلّلة؛ تداعب أحلام الرجال والنساء عن الآثار العجيبة والفوريّة للعسل والأعشاب والزيوت والكريمات وسواها من خلطات الوهم.
قد نتفهّم، ولا نعذر بالتأكيد، مراكز التدريب التابعة للقطاع الخاص بغاياتها الربحية في وقتٍ قصير، سوى أننا لا نتفهم ولا نعذر بل نلوم تلك المراكز التابعة لقطاعاتٍ رسميّة حكوميّة تقول بخدمة المجتمع وإنّ الكسب المالي ليس من أولويّاتها لكنها تسلك مسلكَ القطاع الخاص؛ مبالغةً في الرّسوم وحشداً للأوهام. أمامي إعلان لبرامج التعليم المستمر بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران والذي يَعِدُ بـ"شهر مميّز للبنات" تكلفته أربعة آلاف ريال فقط (الله يديم الرّخص) ثم يزرق الحقنة السحرية "لا تدعي الفرصة لتغيير مجرى حياتك تمرّ بدون استغلالها" ولا ندري إلى من يعود الضمير في "استغلالها" هل إلى الفرصة أم إلى البنت "؟!".. وكم "ذا" بالصيف من مضحكات ولكنه...