بدرية البشر
الحريم!
أعرف كثيراً منهن، نساء متدينات جداً، ما إن تحين الصلاة حتى يهرعن إليها، توسوس لهن أنفسهن كثيراً إذا ما تهاون في النوافل، يرغبن دائماً في الزيادة، ولكي يبتعدن عن الشبهات، يأخذن من التفاسير أشدها، يفضلن إتمام الصيام وهن على سفر، رغبة في تكبد المشقة، وزيادة في الأجر، يملن إلى التفسيرات التي لا تترك للمرأة حقاً، ولو كان حق الزوجة في الدواء والكفن. حين يسمعن أحداً يقول ان حق الزوج على زوجته هو حق المتعة فقط، وان الزوجة لو أرادت أن تطلب أجراً على رضاعتها لأبنائها، لوجب على الزوج دفعه، وان خدمتها له في البيت كرم منها، يشهقن ويعتريهن الشك، لأن هذا الكلام لا يقوله لهن شيوخهن الموثوقون، بعضهن يتصلن بالشيوخ كلما حلمن حلماً، ظناً أن في أحلامهن رسالة تحمل تأنيباً أو بشرى، يفضلن التداوي بالقرآن، على أن يزرن طبيباً يصرف لهن الدواء، حتى ولو كان تشخيص مرضهن اكتئاباًً شديداً. يتصل بعضهن بالشيوخ ليسألن على الهواء عن حكم رؤيتهن لما يشبه الدم في ثيابهن قبل آخر دقيقة صيام. لكن هؤلاء حين يدخلن عالم «الانترنت» والمنتديات لا يتورعن عن الخوض في الأحاديث التي تتسقط أسرار الناس وأخبارهم والتي معظمها مغلوطة، ويظنن أن من التقوى الدعاء عليهم، وترويج الاشاعات عنهم، من دون أن يوسوس لهن ذاك الضمير الحي بأن ما يقمن به غيبة أو نميمة.
ثقافة «الحريم» في المجتمع السعودي هي ثقافة تفهم الدين على أنه مجرد طقوس دينية كلما بالغ المرء فيها زاد أجره، هن يفهمن أن التأخر عن فرض للصلاة هو طريق يفتح لهن باب جهنم، لكنهن ما ان ينتهين من صلاتهن حتى يتفرغن لكل ما هو بعيد عن أخلاق الدين، فهن لا يمتنعن عن الخوض في أحاديث الكراهية والحث عليها أيضاً، واتهام الناس، والظن بهم ظن السوء، ولا يعرفن شيئاً عن طريق الإحسان واللين والتطوع بالوقت والمال لمصلحة المؤسسات الخيرية مثلاً.
فمن يتحمل جهل هؤلاء «الحريم»؟ وأي خطاب تأدبن عليه فأصبح فهمهن للدين محدوداً وقاصراً؟ وكم من مؤسسة تعليمية وتربوية مسؤولة عن طاقة عقلية راحت تضيّع جهدها ووقتها في عبث فارغ ومهين؟ الحريم هن صناعة ثقافة تتحملها المؤسسات التي أنتجتها، وليس وحدهن النساء من يتحمل وزر «الحريم»!