خالد بن فيصل الفرم
البرجوازية السعودية.. ومفهوم الليبرالية
كتب الدكتور شاكر النابلسي في صحيفة الوطن؛ سلسلة حلقات عن الليبرالية السعودية، حسبت أنها ستؤصل وتؤرخ ما أسماه بالليبرالية السعودية من جهة، وإعمال نقد موضوعي لهذا الملف الملتبس من جهة أخرى.
فعند إعمال مقاربة نقدية لليبرالية السعودية، نجد أنها بدأت تتشكل مطلع التسعينات من القرن الماضي، انطلاقا من جامعة الملك سعود بالرياض، من خلال حراك ثقافي، تداخل فيه الطرح النقدي، والإصلاح الاجتماعي، مع الظروف الإقليمية والمحلية آنذاك.
وإن كنت اتفق مع النابلسي في مسمى (الليبرالية السعودية) لكونها تختلف (عمليا) فكرا وممارسة عن المفهوم والمبادئ التي ترتكز عليها الليبرالية كحركة فكرية واجتماعية. إلا أن الليبرالية السعودية لم تنجح في تكوين وعي اجتماعي وإداري وسياسي داخل المجتمع، خاصة في المنظومات الإدارية والإعلامية والاجتماعية.
ففي المنظومة الإدارية فشل العديد من التكنوقراط، الذين تبوأوا مواقع قيادية رفيعة، في تأسيس مناهج وسلوكيات إدارية بارزة وجاذبة، تتفق والمبادئ الليبرالية، التي تقوم على العدالة الاجتماعية، والمساواة الوظيفية في الحقوق، وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص والمشاركة.
فالليبرالية عكس الراديكالية، لا تعترف بالتصنيفات أو العمل خارج الإطار المؤسسي، ومع ذلك استغرب أن خريجي أعرق الجامعات الأمريكية والبريطانية، المحسوبة على الفكر الليبرالي، سقطوا في فخ الإقليمية والشللية الضيقة، وقدموا المحركات الماتحت وطنية (المناطقية) على المحركات الوطنية العليا، فخرجوا من الشأن العام بعدما حملوا الوطن خسائر مركبة، وإن كنت لا أنزه الطرف الآخر من الأخطاء ذاتها.
أما على المستوى الفكري والإعلامي، فعند تحليل طروحات المحسوبين على الليبرالية السعودية، نجد أنها تتمحور حول المرأة والمناهج والهيئة، وهي حالة هروب من الاستحقاقات الأهم، خاصة ما يتعلق بقضايا ومفاهيم العدالة والمساواة، ما أفقد الليبرالية السعودية، الكثير من الزخم اللازم، لتحويلها إلى حركة وعي اجتماعي. فالليبرالية السعودية، بحاجة إلى منجزات تستطيع من خلاله المحاججة، والحصول على مقاعد متقدمة، في المسرح الوطني، فالأحداث والظروف خدمتها (مرحليا) وانتشارها أو ضمورها لم يرتبط بها، بقدر ما ارتبط بمجريات الأحداث، وأصبحت الليبرالية السعودية أقرب إلى مفهوم البرجوازية بالمعنى الطبقي.
ويبدو أن هناك اتجاها يتشكل حاليا، لتيار تجديدي وسطي، قادر على تجاوز الدوائر المغلقة، في التيارين، والتفاعل مع السواد الأعظم من الجمهور ومحركات النظام الاجتماعي، بعد تجريب الفكر الأحادي المتشدد من جهة، وتجربة الليبرالية السعودية، التي انغلقت على نفسها إداريا، وحددت ملفات ثابتة لأجندتها، لاتتقاطع مع أولويات واهتمامات شرائح وقطاعات المجتمع السعودي، فخسر الطرفان التأييد المجتمعي، وبرزت الرؤية الإصلاحية الرسمية، متجاوزة في بعض الأحايين خطابي الطرفين نسبيا، ما أفرز نسبة كبيرة من المستقلين. ليبقى الخطاب القادر على ملامسة هموم المجتمع واحتياجاته وتطلعاته، يسود على ماعداه؛ بعيدا عن مصادر الخطاب، وحذلقة التوظيف، وانتهازية المصالح، فالهدف الوطني أسمى، والشعب أصبح أكثر وعيا.