«الأدب والأديب» للأديب مصطفى صادق الرافعي |
كتبَ الأديبُ الكبيرُ الأستاذ مصطفى صادق الرافعي المتوفى1356هـ _رحمه الله تعالى_ مقالةً رائعةً في معنى «الأدبِ والأديبِ» في كتابِه «وحيُ القلمِ» الذي هو مجموعُ مقالاتِه التي كانت تُنشَرُ له في «مجلةِ الرسالةِ» . ومقالتِه «الأدبِ والأديبِ» تقعُ في الجزءِ الثالثِ («وحي القلم» ج3 :ص202 طبعة المكتبة العصرية).
وأحببتُ هنا أن أنقلَ بعضَ كلامِ الأستاذِ في معنى «الأدبِ والأديب»، وفائدةُ قراءةِ كلامِ الأستاذِ أكثرُ من مجردِ القراءةِ العابرةِ لفكرِ مثقفٍ أو أديب، بل الفائدةُ في اقتناصِ أسلوبِه والتمتعِ باختيارِه المفردات وترسُّلِه في كلامِه. ولا أخالُ طالبَ المعرفةِ إلا قارئاً النصَّ مرتينِ أو أكثرَ.
يقولُ الأستاذ:
(( الغرضُ الأولُ لِلأدبِ المُبينِ أنْ يَخلقَ لِلنفسِ دُنيا المعاني الملائمةِ لتِلك النزعةِ الثابتةِ فيها إلى المجهولِ وإلى مجازِ الحقيقة، وأن يُلقيَ الأسرارَ في الأمورِ المكشوفةِ بِمَا يتخيَّلُ فيها، ويردَّ القليلَ منَ الحياةِ كثيراً وافياً بِمَا يُضاعِفُ من معانيه، ويتركَ الماضيَ منها ثابتاً قارًّا بِمَا يخلِّدُ من وصفِه، ويجعلَ المؤْلِمَ منها لذيذاً خفيفاً بِمَا يَبُثُّ فيهِ منَ العاطِفَة، والمملولَ ممتعًا حُلْواً بِمَا يكشِفُ فيهِ منَ الجمالِ والحِكْمة؛ ومَدارُ ذلك كلِّهِ على إيتاءِ النفسِ لذَّةَ المجهولِ التي هيَ في نفسِها لذَّةٌ مجهولةٌ أيضاً؛ فإنَّ هذه النفسَ طُلَعَةٌ متقلبة، لا تبتغي مجهولاً صِرْفاً ولا معلوماً صِرْفاً، كأنها مُدْرِكةٌ بفطرتِها أن ليسَ في الكونِ صريحٌ مطلقٌ ولا خفيٌّ مطلق؛ وإِنَّما تبتغي حالةً ملائمةً بين هذين، يثورُ فيها قَلَقٌ أو يسكنُ منها قلق. )) اهـ كلام الأستاذ.
ثمَّ يقولُ الأستاذُ في تعريفِ «الأديب» :
(( لو أردْتَ أن تُعرِّفَ الأديبَ من هو، لَمَا وجدَتْ أجمعَ ولا أدقَّ في معناهُ من أنْ تُسميَهُ الإنسانَ الكونيّ، وغيرُهُ هو الإنسانُ فقط؛ ومن ذلك ما يبلغُ من عُمْقِ تأثُّرِهِ بِجَمَالِ الأشياءِ ومعانيها، ثُمَّ ما يقعُ مِن اتِّصالِ الموجوداتِ بِهِ بِآلامِها وأفراحِهِا؛ إذْ كانَتْ فيهِ مع خاصيةِ الإنسانِ خاصيةُ الكونِ الشامل، فالطبيعةُ تُثبِتُ بِجمالِ فَنِّهِ البديعِ أنَّهُ منها .. )) الخ كلامِه.
ثمَّ يقولُ الأستاذُ:
(( وهو إنسانٌ يُدلّهُ الجمالُ على نفسِهِ لِيدلَّ غيرَهُ عليه، وبذلكَ زِيدَ على معناهُ معنًى، وأُضيفَ إليهِ في إحساسِهِ قوّةُ إنشاءِ الإِحساسِ في غيرِه .. )) الخ كلامِه.
ويقولُ الأستاذُ:
(( وفصْلُ ما بينَ العالِمِ والأديب، أنَّ العالِمَ فِكْرة، ولكنَّ الأديبَ فِكْرةٌ وأُسلوبُها؛ فالعلماءُ هم أعمالٌ متَّصِلَةٌ متشابِهَةٌ يُشارُ إليهم جملةً واحدة، على حين يُقالُ في كلِّ أديبٍ عبقريّ: هذا هو، هذا حدُّه؛ وعِلْمُ الأديبِ هوَ النفسُ الإنسانيَّةُ بِأَسرارِها المتَّجِهَةِ إلى الطبيعة، والطبيعةُ بِأسرارِها المتَّجِهَةِ إلى النفس .. )) الخ كلامِه.
هذهِ بعضُ المقتطفاتِ -وليسَتْ تلخيصاً- مِن مقالةِ «الأدبِ والأديبِ» للأستاذ الرافعي _رحمَهُ اللهُ تعالى_ ، وكثيرٌ مِنْ مقالاتِه تدورُ حولَ هذهِ المعانِي. ولا داعيَ للإطالةِ أكثرَ، وباللهِ التوفيقُ.