خلف الحربي
الاختباء الأمريكي في العراق
انسحاب الجيش الأمريكي من المدن والبلدات العراقية عملية أقرب ما تكون إلى (الاختباء) و(الاختفاء) منها إلى عمليات الانسحاب والجلاء، باختصار ستكون أمريكا موجودة وغير موجودة في الوقت ذاته، سوف تستعين بالسحرة ومحضري الأرواح كي تصل إلى الوضعية الشفافة التي تجعلها حاضرة بقوة حين تبدأ المفاوضات والصفقات وغائبة تماما حين تبدأ التفجيرات والعمليات الانتحارية!.
هكذا بكل بساطة يخلع الجندي الأمريكي في العراق خوذته المرقطة الشهيرة ويضع بدلا منها طاقية إخفاء إلكترونية من تصميم وكالة ناسا، فيتوارى عن الأنظار كلما بدأت الفوضى الخلاقة ويظهر مجددا حين تبدأ مفاوضات تنظيم الفوضى الخلاقة!.
يفضل الأمريكيون أن يمارسوا دور الطباخ الذي يشرف على أدق تفاصيل الطبخة وهو خارج المطبخ، يطل بين فترة وأخرى كي يتأكد من المقادير ثم يعود بسرعة البرق إلى الطابق العلوي معلنا إخلاء مسؤوليته من كل قدر يغلي في المطبخ، ولكن طباخ السم يذوقه.. لا بد أن يذوقه، هكذا يقول المثل، وهكذا يقول التاريخ.
أمريكا العظمى دخلت العراق عبر الجو والبر والبحر وكان مشهد دخولها الكبير مليئا بصور الطائرات والدبابات والسفن والمدرعات والشاحنات وسيارات الجيب ورافعات البناء والبيوت الجاهزة تريد اليوم أن تحمل معها كل هذا وتخرج من فتحة التكييف، هل يعقل هذا ؟!، كيف تخيل جنرالات البنتاغون الذين كانوا يتزاحمون على شاشات التلفزيون قبل سنوات أن مأزقهم التاريخي في العراق يمكن حله بهذه السهولة؟.
الاختباء وترك العراقيين يواجهون حمامات الدم بمفردهم لن يخلص الولايات المتحدة من ورطتها في العراق، فحكاية أمريكا في العراق تشبه قول الشاعر: (فإن من بدأ المأساة ينهيها).
الاختباء هو هروب من مسؤولية ضبط الأوضاع الداخلية المضطربة التي نتجت عن عملية الاحتلال وهذا وضع شديد الخطورة على العراق وجيرانه.