صالح بن سبعان
التغيير لا يعني التطوير
الكثير من المفاهيم الشائعة تحتاج إلى وقفة تأمل بغية فهمها على النحو الصحيح، بعد أن أسيء فهمها، ويبدو أن الخلط يأتي دائما بسبب عدم استيعاب المصطلح. فكثيرا من المصطلحات المتداولة يتم إفراغها من مضامينها الأصلية لتشحن بمضامين أخرى لا تعبر عن المضمون الذي صيغ المصطلح ليعبر عنه.
ومن هذه المصطلحات مصطلح «التطوير» حيث تمت مطابقته ومرادفته بمصطلح «التغيير»، فعوملا على أنهما مصطلح واحد، أو أنهما مصطلحان يعبران عن الشيء نفسه، مع أنهما مختلفان تماما، إذ ربما يحدث التغيير في أي مجال من مجالات الحياة دون أن يؤدي هذا التغيير إلى التطوير، أي دون أن يؤدي في نتائجه النهائية إلى التطوير.
وتبدو المسألة بشكل أكثر وضوحا، في المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي. فكم من ثورة سياسية أدت إلى تغيير الأنظمة دون أن تؤدي إلى تطور البلد أو نظام الحكم.
ويلاحظ أن كثيرا من التغييرات الاجتماعية التي تطال نظم الحياة، لم تؤد إلى تطور هذه المجتمعات، بل أدخلتها في أنفاق مظلمة.
ويلاحظ هنا أن إدخال التقنية الحديثة في نظم العمل قد أحدث تغييرات شكلية فبدلا من الآلة الطابعة القديمة أصبح الطابع يستعمل الكمبيوتر، على سبيل المثال، إلا أن هذا لم يؤد في محصلته النهائية إلى تطور نظم العمل.
إذ إن «مكننة» العمل يجب أن تؤدي بالضرورة إلى اختصار ساعات إنجاز العمل، وتقليص العمالة، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث. لماذا؟؟
لأن التغيير الذي أحدثه دخول التقنية كان سطحيا، وظلت الإجراءات داخل النظم على ما كانت عليه قبل إدخال هذه التقنية، وبالتالي فإن الزمن الذي يستغرقه إنجاز معاملة ظل على ما هو عليه ولم تستطع الآلات أن تفعل شيئا.
أي أننا لم نقم سوى بإخضاع الآلة لإيقاعنا نحن، بدلا من أن نطلقها من قوقعة إجراءاتنا لتعمل وفق إيقاعها هي.
إذن في هذه المسألة حدث تغيير شكلي، ولكنه لم يكن تغييرا نحو الأفضل حتى يستحق أن نطلق عليه صفة التطور.
وقد رأينا في كثير من التجارب السياسية لدول في منظومتنا العربية والإسلامية، حركات تغيير لأنظمة الحكم فيها عن طريق الانقلابات وغيرها من الطرق، وكل هذه الحركات كانت ترفع شعار التنمية والحرية وما إلى ذلك من شعارات، إلا أننا حينما نخضع هذه التجارب لمنطق التطور، نجد أنها لم تؤد سوى إلى تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على نحو أسوأ مما كانت عليه الأوضاع في مرحلة ما قبل التغيير.
وإذا رجعنا إلى المثل الذي أوردناه قبل قليل لتغيير الذي يحدث في أنظمة العمل نتيجة إدخال التقنية الحديثة، نجد أن وضع هذه الأنظمة صار أسوأ مما كانت عليه حيث إن التغيير لم يبق الأشياء والأوضاع على ما هي عليه، بل أدى إلى نتيجة عكسية إذ زاد تغيير الأوضاع سوءا عما كانت عليه قبل أن يحدث.
فهلا اعتبرنا...!!