احمد الحناكي
23 يوليو ثورة أم انقلاب؟
أعتقد أن عبدالناصر بالغ في فرض أهمية الدور المصري عربيًا مما أوقعه في مأزق رغم أن له بصمات في بعض الدول العربية لا تنسى إلا أنها كانت على حساب الداخل .
قبل 57 عاما نجح الرئيس جمال عبدالناصر ومجموعة الضباط الاحرار في الاطاحة بحكم الملك فاروق من عرش مصر وذلك في 23 يوليو 1952 للميلاد. وقبل ايام من صدور هذا المقال تمر الذكرى خافتة هادئة في العالم العربي اما في مصر فتلك قصة اخرى.
وبرأيي ان اي ثورة في العالم تهدف الى الاصلاح والارتقاء والنمو الى الافضل فهل نجحت ثورة يوليو بذلك ؟
نظلم الثورة (ان صح تسميتها ثورة ) ان لم نقل انها احدثت تغييرات في المجتمع المصري ولكنها ارتكبت بالمقابل اخطاء كبيرة فكأنك يا ابا زيد ما غزيت.
فعندما ذكرت احقيتها بالتسمية فلسبب وجيه فالثورة تطلق على التغيير الجذري الكامل وهو ما لم تصنعه ثورة 23 يوليو. صحيح ان هناك تغييراً في نظام الحكم ولكن استمر النظام الشمولي اي حكم الفرد الواحد.
الجانب الاخر انتخابات الاحزاب لم تكن نزيهة في اي وقت مضى كما كانت في عهد ما قبل الثورة، وهو ما يعني ان الثورة اغفلت او اجهضت اهم عامل ايجابي في الحكم السابق وهو الديموقراطية.
والمثير أن تعيين رئيس الوزراء الذي يتم بتعميد من الملك انذاك يمر في حينه بصعوبات عديدة لمحاولة التوفيق بين ما يرغبه الملك وما يرغبه الناخب بينما يتم الآن بشكل مباشر وبصلاحيات لم يكن يحلم بها الملك فاروق.
في المقابل انتصرت الثورة للعامل والفلاح وألغت التمايز الاجتماعي واقرت مجانية التعليم وقضت على كثير من مظاهر الفساد ولكنها عملت ذلك كله دون ان يواكبه انفتاح ديموقراطي يحمي منجزات الثورة وبالتالي فقد انفرط كل ذلك برحيل عبدالناصر.
ويقيني ان عبدالناصر اتى وذهب نظيفا ونزيها ولكن السياسة لا يكفيها ذلك، فمن يقود امة لا يعين قائدا لجيش عظيم كالجيش المصري لرجل غير مؤهل كعبدالحكيم عامر لمجرد انه صديقه الحميم حتى لو كان رفيقه وعضده في الضباط الاحرار، والنتيجة كانت معروفة فنكسة 67 جرح غائر في قلب كل عربي.
من اخطاء عبدالناصر الكبيرة الوحدة مع سوريا، فليس من المنطق الاتحاد مع بلد اخر لا تربطك به حدود ولا دستور واحد ولا نظام اقتصادي موحد، ومع ذلك فالتجربة فشلت دون اراقة دماء وهو ما يحسب لعبدالناصر.
انما من جانب اخر فخطأ عبدالناصر الكبير كان من وجهة نظري حرب اليمن والتدخل المصري. وبعيدا عن مزايدات محبي عبدالناصر فانا لا اشكك في دوافعه القومية ولكن كان من قبيل المغامرة الكبرى ان تزج بجيشك في حرب داخلية في بلد اخر بعيد عنك بينما يجثم على حدودك اخطر عدو لك في العهد المعاصر ولا زال وهو العدو الصهيوني.
أعتقد ان عبدالناصر بالغ في فرض أهمية الدور المصري عربيًا مما أوقعه في مأزق رغم أن له بصمات في بعض الدول العربية لا تنسى إلا أنها كانت على حساب الداخل، وقد يتفق معي كثيرون ان وضع الدور المصري ايام عبدالناصر كان شبيهاً بما حصل للاتحاد السوفيتي تجاه امريكا فقد حاول السوفييت مناطحة امريكا وصمدوا 70 عاما ثم انهاروا بومضة عين.
دعونا نتخيل ان عبدالناصر وبدلا من الحروب التي انهك بها شعبه ارسى سبل الديموقراطية وحرية الرأي وركز على الانتاج والاقتصاد مثل ما صنع مجايلوه انذاك في الهند مثلا دون ان يهمل الجانب العسكري.
بتلخيص بسيط قامت الثورة على اعلانها ستة مبادئ هم : القضاء على الاستعمار واعوانه والقضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال واقامة جيش وطني قوي واقامة عدالة اجتماعية واقامة حياة ديموقراطية سليمة.
وما تحقق من النقاط السابقة وقتئذٍ لا يشجع على اعطاء الثورة درجة النجاح. واذا استثنينا طرد المستعمر البريطاني لم يتحقق اي من النقاط السابقة، وحتى ما نجح عبدالناصر بصنعه بشخصيته الكاريزمية هدمه السادات من بعده لان الامر قائم كما ذكرت سابقا على حكم الفرد.