قلتُ وقالتْ .. عن ضيقِ صدرِه و " البكاء " وأشياءٌ أخرى !
=====
وكانَ من حديثي معها أني أرسلتُ لها مرَّة هذا النَّص أطلبُ رأيها فيه:
(( وقفتُ أمـآم مرايا الذكريات ..
ورأيتُ شيئاً من الروحِ في صورةِ قطراتٍ تتنازلُ من العينِ ..!
لأقولُ لها : انزلي من عينِي كما شئتِ .. سـ ترحميني بمغادرتكِ جسدي فأنسى ولا تعودي !
فقالت دمعةٌ أخرى : لا لن تنسى .. وهل هذه الدموعُ إلا شيئاً من روحك لن تغادركَ ما دامت هذه الروح في هذا الجسد !
====
هذا ما أردتُ رأيَكِ فيه سيَّدتِي ، وأنا لا أجيدُ الشعرَ ولا أكتبهُ ولكن رأيتُ هذه الكلمات تجري على لساني:
أبكي عليهم اليومَ وقد رحلوا .. وسيُبكى عليَّ يومٌ كما بكيتُ
وعلى المحبَّة .. والسلام ! / مهند ))
*
قالت : مهنّد ، تسمحُ لي قليلاً !
قلت : من غير استئذان .. تفضلِي !
قالت: ما هذهِ الروح التي تنفثها في كتاباتِك وتدسها في كلماتك ؟
انظُر هنا في هذا النص الذي فرحتَ بهِ ..كلامُكَ عن " البكاءِ " و " الدمعة ".. و " مغادرةَ الروحِ الجسدَ " .. وأن في هذا كلُّه " رحمتُكَ " التي ترجوها .. كل هذا تدسُّه في كلماتك !
وغيرُك اذا كتبَ يكتبُ عن معاني الإشراق ، والأمل ، وحب الحياة ، وأنتَ تعلمُ حاجة الناسِ من حولِكَ إلى هذا النوعِ من الخطاب " المُفعَّم " بروحِ الحياةِ .. ثم أعلنتَ بكل صراحة أنكَ تتحدثُ عن "الرحيل" وأنه سيُبكى عليكَ حين "ترحل" ! .. لماذا تخلقُ كلَّ هذا فيمَن حولَكَ ؟
قلت : حاجةٌ في نفسِي .. أرجو خلاصِي منها حينَ أكتبها ..!
يسمونها أحياناً ( نفثةُ مصدور ) و ( بوحُ مكبوتٍ ) و ( انفراجُ مكتومٍ ) وأسماءٍ كهذه ..!
كلها أسماءٌ تشيرُ إلى شيءٍ في النفسِ يجدُ طريقهُ للقلَمِ .. إلا قلمي أبى أن يحضنه ! .. فأخذ قرارَه في الظهورِ بهدوءٍ
لـ يختبئ تحتَ الكلمات .. وتحتَ فهم الذكيُّ اللبيبُ !
قالت : ولكن للذي تكتبُ أبعاداً أخرى .. تنشرُ فيمَن يحبُّك هلعاً وجزعاً عليكَ .. وأعرفكَ تحبهم .. ولا ترضى أن تفعلَ فيهم هذا الذي تفعله !
قلت : لحظةُ انفجارِ كبتٍ ! ليتحملونِي فيها .. أنا أحبهم .. وخوفي عليهم وحبي لهم أكثر ما يحملني لهذا البكاء ! وليكونوا على يقينٍ من أني سأحبهم ما دامَ بيني وبين الحياةِ وجودٌ !
*
قالت : تظنني قسوتُ عليكَ حينَ تجاهلتُ النصَّ وتجاهلتُ سببَ حزنكَ .. لأسألك كيفَ سمح ضميرُكَ أن تفعلَ هذا فيمَنْ حولَكَ ؟
قلت : حقاً قسوتِي كثيراً ..! وكدتُ أظن أني لا أعني لكي شيئاً .. وإنما يعني لكي من حولي !
ولكني أعتمدُ على أنكِ أذكى من أن تقسينَ بلا سببْ ..ولم أسألكِ عن السبب لأني أعرفهُ جيداً .. عاطفة هؤلاء الناس أهمُّ عندي من حياتي كلها !
قالت : حدثني عن ما تمرُّ به .. وأسبابه ؟
قلت : تسألينني عن عظيمٍ ..
وقد كان من أمري أني اختفيتُ عن أعينِ الناس أياماً وليالٍ ..
وجرت كلماتٌ موجعة على لساني .. وكانت آخر ما استقبلتُ الناسَ بهِ !
ـ ( كالمجانين أسيرُ في الطرقاتِ .. خذني يآربي وعجِّل يوم وفاتي! ) .. ~ سامحني الله
كانت والله أياماً أرى فيها النهار ليلاً ، والليل نهاراً !
وكان كلُّ شيءٍ يضطربُ أمام عينيَّ !
وكان شواشاً حال بيني وبين الوجودِ كلِّه !
وأذكرُ أني قضيتُ ساعةً لا أفعلُ فيها شيءٌ سوى انتظار رُسُل ربي !
وكتبتُ في ورقة بخط يديّ تلكَ القصيدة المشهورة في تراثنا التي أولها: ( قل لأصحابي رأوني ميتاً .. الخ) !
وخبأت الورقة بين أغراضي .. أظنها حسنة جميلة سيتذكرونني بها !
قالت : حسبُك مهنّد حسبُك..! توقف هنا .. وانتقل - رجاءً - من وصفِ ما مررتَ به إلى أسبابه .. لماذا كل هذا ؟
قلتُ : في هذا الموطن الذي أُسألُ فيه هذا السؤال .. "لماذا كنتَ تبكي" ؟
هنا .. تنهارُ كل قوى الشجاعة من لساني ..
وتنسحبُ كلَّ ذرات الجرأة في كياني ..!
ليَ أسبابي يا سيدتي ، ورجلٌ مثلي عنده دائماً سببٌ للبكاءِ ..
نعم ، ليس عندي سببٌ للبكاءِ في وقتٍ لا ينبغي البكاءُ فيه ، أما البكاء نفسه .. فله ألف سبب عندي !
قالت : إذن سأكتفي من فضولي ولن أسأل .. ولن أعرف !
وتبقى أنتَ أنتَ ، ذاتٌ خطيرة .. الوصولُ إلى خفاياها صعبٌ ..!
قلت : وتبقينَ أنتِي نعمَ الأختُ المتفهمة .. ونعمَ الروحِ الشريفة ..
ويبقى لسؤالَكِ واهتمامَكِ .. سؤالٌ واهتمامٌ أبادلكِ إياهِ .. على مذهب ( من تقربَ إليَّ شبراً تقربتُ إليهِ ذراعاً ) ..!
وسأختِمُ كلامي -مضطراً لا مختاراً .. خوف الإطالة- بقولِ من قالْ :
يارب .. في الصدرِ بكاءٌ .. لم يسمعهُ أحدٌ ، وحدُكَ يا الله تعرف حجم الألم .. فانزعه مني ..!