ليلة ذات أرق

[Da Vinchi]

لطالما كان اللؤم يتدثرني حين يزعجني أحدهم بسرد معاناته مع الأرق ,,

كنت اعتبره أمرا لا يدعو لأدنى مراتب التشكي ,, فكيف بـ عذر يعطي صاحبه كل تبريرات الكسل والتعب الغير منقضي ,,

بل كنتُ فوق ذلك اتفاخر بقدرتي على النوم في أي وقت وفي أي مكان ,,

1 2 3 ,, وها أنا نائم ,, هذا كل ما يتطلبه الأمر ,, العد ثلاثةً للدخول في سباق مع الأحلام ,, حتى لو كنت واقفا على يدي !

أشرب القهوة والشاي وكل ما هو مشبّع بالكافيين ,, دون أي تأثير في قدرتي على النوم ,,

حدث وأن سجلت رقما قياسيا في النوم المتواصل الذي اصبح محل حديث كل كائن يملك القدرة على اصدار الأصوات ,,

نمت 16 ساعة متواصلة دون توقف او تزود بالوقود ,, وفي رواية دون تغيير الزيت !

ولكنها مشيئة القدر أن يأخذ بـ ثأر كل من عانى من وطأة الأرق ,, ويعقابني على سخريتي منهم ,, ومجاهرتي بقدرتي الخارقة ,,

تلك النعمة التي جحدتها مرارا وتكرارا ,, لا يقدّر صاحب النعمة ما هو فيه من نعيم إلا بعد فقدها ,,

اكملت بالأمس 24 ساعة دون إغفاءه واحدة ,,

شرعت بقراءة رواية غطاها غبار الدهر وهي قابعة في درج المكتب تنتظر شرف قراءتي لها ,, كانت قراءة الروايات بالنسبة لي طاردة للقلق ,, كـ مضاد للصداع قوي المفعول ,,

انهيت فصلين متتاليين ,, وشرعت في الفصل الثالث ,, قلبت الصفحة رقم 180 فكانت كـ الصفعة ,, شعرت بالرعب ,,

فالصفحات بعدها كانت بيضاء ,, أنهيت الرواية في جلسة واحدة كـ أول رقم قياسي لي ,,

قاربت 36 ساعة دون إغفاءه ,, احسست بـ أطراف أصابعي تعتريها رعشة بطيئة ,,

ويتراءى لي الصرع متوشحا عباءة النوم يتراقص أمامي ,,

علمت أني رسميا في عالم الهذيان ,,

تمالكت أعصابي ,, فقررت ,,

اتجهت لمشغل الإسطوانات ,, وضعت مارسيل خليفة ,, جعلته صادحا بصوته الملائكي ,,

تسامت روحي بعد أن فزعت ,, واطمأنت بعد أن هلعت ,,

رجعت إلى مخدتي ,, أسلمت روحي لخالقها ,,

وببساطة ,,

أفقت !


تك تك تك تك ,,

صمت مخيم على أجزائي ,, هدوء تكاد تسمع أفكاري منه ,,

أخرجت كل الساعات وكل ما ينبض بالحياة من غرفتي حتى لا يتأذى صمتي من تكتكة روحها ,,

ابتسمت ,,

أقترب مني النعاس كما لم يفعل منذ يومين أو هكذا أظن فقد فقدت الإحساس بالوقت ! ,,

كادت عيناي أن تعانق بعضهما نوما ,,

فجأة صراخ الجوال يخترق الجدران ,,

فزعت ,, فتحت عيناي مذوهلا ,,

رددت تلقائيا ,, ###### !

جلست ,, ضاقت صومعتي ومعها عالمي وروحي بعد أن كان الهدوء يعمها ,,

فكرت في أن أتجه لهذا المتصل وأرغمه على بلع جواله بعد إلقاء السلام ,,

آثرت إغلاق الجوال وكفى الله المؤمنين شر القتال ,,

تقافزت الأفكار في رأسي ,,

هل أحتج رافعا لافتة (( دعوني أنام عليكم اللعنة )) ,,

أن أتجه لحقوق الإنسان ,, أو بائع حبوب منومة ,,

أريد أن أنام ,,

طفقت اصرخ " يا ملاك النوم ابثث النعاس فيني " ,,

كم افتقد الموتة الصغرى ,,

تعب فكي من كثرة التثاؤب بلا طائل ,,

استحال عقلي إلى طاحونة بدائية من العهد القديم ,, شلل ذهني !

هلوسة يتبعها هذيان ,, فـ هلوسة مرة أخرى ,,

تخيلت جسدي متلحفا جفني ,,

ورجلي ممدة على فرشة رمشي ,,

ارتحت ,, لوهلة ,,

لكن ما لبثت أن فزعت ,,

خرج من غياهب سواد العين ,,

حاربني برمحه العتيق ,,

كان قويا ,,

ففي عيني مارد لا ينام !



-------------------------------------------------------------------------------

كتبته بعد معاناة حقيقية مع الأرق ,, زادكم الله به جهلا ,,