InstagramTwitterSnapChat


 
وصف

العودة   منتديات سكاو > الأقسام الخاصة > الأقسام العامة > الساحة العامة
التسجيل مشاركات اليوم البحث
   
   


الساحة العامة قسم مخصص لـ الفعاليات والنقاش و المواضيع التي لا تندرج تحت الأقسام الآخرى .

رمــــاد .. عادت به ساره‎ ..!!‎

الساحة العامة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز
  #1  
قديم 04-01-2006, 06:58 PM

مستشار مستشار غير متواجد حالياً

جامعي

 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
التخصص: هندسة
نوع الدراسة: إنتظام
المستوى: متخرج
الجنس: ذكر
المشاركات: 209
افتراضي رمــــاد .. عادت به ساره‎ ..!!‎



رمــــاد .. عادت به ساره‎ ..!!‎



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..‏

الإخوة والأخوات الأعزاء
اسمحوا لي أن اقدم لكم هذه القصه الرائعه‏
للكاتب الدكتور محمد الحضيف مجدداً‏
بدون مقدمات
اتمنى لكم وقت ممتع ‏

مستشار,,,‏



دلفت إلى المكتب ، فهاجمتها رائحة السجائر ، التي امتزجت بكل شيء .. من ‏الجدران ،‎ ‎إلى المقاعد البلاستيكية ، وحتى الورقة التي ناولها إيّـاها الجندي ‏،الذي يجلس بملل‎ ‎،خلف مكتب معدني عتيـــــق . بكاء الأطفال الذين معها ‏‏.. ومشـــــــاكساتهم ، لم‎ ‎يترك لها مجالاً لتملأ البيانات ، في الورقة التي ‏طلب منها الجندي تعبئتها . انشغلت‎ ‎بتطييب خاطر أحدهم ، الذي كان قد تعثر في ‏عتبة الباب . المكتب مصنوع من ألواح جاهزة‎ ‎، من مواد مسبقة الصنع .. أقيم ‏ارتجالاً ، في إحدى المساحات الفارغة ، القريبة من‎ ‎البوابة الرئيسية . مؤقت .. ‏كما يقال .. واضح من طريقة بنائه العشوائية .. شأن كثير‎ ‎من قراراتنا ، وأمور ‏حياتنا : مرتجلة ، مؤقتة .. وعشوائية . لم تكن العتبة .. سوى‎ ‎طوبتين اسمنتيتين ‏، وضعتا بدون نظام ، فانزلقت بينهما القدم الصغيرة ، فتقرح‎ ‎ظاهرها، وهو ما ‏جعل الحذاء يـــــزيد حـــدة الألم ، عند أي حركة ، فيتألم الطفل‎ .. ‎ويلجأ للبكاء . حين أكملت تعبئة البيانات المطلوبة ، توجهت إلى الجندي نفسه، ‏الذي‎ ‎علق بصره علـــــيها ، لحظة خرجت .. من وراء ستارة زرقاء بهت ‏لونها، مثبتة في إحدى‎ ‎زوايــا المكـتب ، لتفصل مكان انتظار النساء عن بقية ‏المكتب . كان الجندي يتأملها‎ ‎وهي مقبلة، ويغرز نظرتين حادتين في جسدها ، ‏الذي التفت عليه العباءة ، فلا يظهر‎ ‎منها إلاّ أطراف أناملها .. التي ترى أن عيني ‏الجندي تستقر عليها ، بعد أن تتفحصا‎ ‎جسمها ، فلا تجد شيئاً " أبيض " ، وسط ‏ذاك السواد ، تقع عليه .. إلاّ هي . تناول‎ ‎الجندي الورقة منها ، بطريقة بدت ، ‏كما لو أنه يحاول أن تلامس يده ، أطراف أناملها‏‎ . ‎وقفت تنتظر ، وهو يراجع ‏الورقة بسرعة ، ليتأكد أن الخانات كلها مملوءة .. رفع‎ ‎عينية باتجاهها وبنفس ‏النظرتين الحادتين ، المملؤتين رغبة .. اللتين لم تفارقاه‎ .. ‎خاطبها : - اجلسي .. ‏سنرفع الأوراق للضابط‎ ..
استدارت عائدة ، وأخذت تحـاول‎ ‎بدأب ، نزع يد الطفل ، الذي يتبعها و يتشبث ‏بعـــــباءتها ، فيبرز من جسمها ما‎ ‎تحاول أن تستره . كانت وهي تجاهد ‏لتخليص عباءتها من يــد الطفل ، يسيطر عليها إحساس‎ ‎أن نظرات الجندي ‏تتبعها ، لتقع حيث يشد الطفل العباءة .. فتزداد توتراً ، وتعجل‎ ‎خطواتها لتتوارى ‏خلف الستارة‎ .

مضت أربعون دقيقة .. بطيئة .. قاتلة ، تأملت‎ ‎خلالها جدران المكتب ، ‏المغـــــــــطاة بمــادة ( فلّينية ) لينة ،ذات لون أبيض‎ ‎مطفي .. حفر ‏علــــــــــــــيها بعــــــــض ‏الــــــــــــزوار الســــابــقين‎ ( ‎ذكرياتهم ) .. منظر أعقاب ‏السجائر الهائلة ، المتكدسة على هيئة أكوام ، تحت مكاتب‎ ‎الجنود.. كان لافتاً . ‏هناك بقع أوساخ على الأرض .. في كل ناحية ، وأثار تعرق داكنة‎ ‎، خلّفها تعاقب ‏الأيدي على الجدران ، و أسطح تلك المكاتب . مستوى النظافة في المكان‎ ‎جعلها ‏تحاذر أن تضع يدها في أي مكان . لم تلهها مشاكسات الأطفال ،وأصواتهم ‏المرتفعة‎ ‎، عن التقاط جانب من حوارات الجنود التافهة ، التي لا تخلو من كلمات ‏خادشة للحياء‎ .. ‎خصوصاً لامرأة مثلها . هذا السلوك .. ليس مقصوراً عليهم .. ‏معظم مجالس الرجال‎ ‎الخاصة ، تدور فــــيها أحــــــــــاديث ( ‏جنسية ) .. حقيقة مجتمعية تعرفها‎ .. ‎أطرف تعليق سمعته ‏حــــــــــــــــول هــذه ( الظاهرة ) .. كان من إحدى ‏الصديقات‎ : ( ‎نحن شعب ليس لديه قضية .. مجتمعنا حلت جميع مشاكله‎ ) ..!

تعلم من زوجها‎ ‎الراحل ، الذي كان موظفاً مدنياً في قطاع عسكري ، أن المستوى ‏التعليمي لهؤلاء‎ ‎الجنود متدن جداً ، وأن بعضهم ينحدر من مستويات ‏اجــــتماعية ، يغلب عليها العوز‎ ‎والجهل . . وضعف مستوى الذوق العام ، ‏في الخطاب والمعــاملة . زوجها كثيراً ما‎ ‎اشتكى لها من فظاظة التعامل .. ‏وسوء الخلق ، لدى الغالبية من هــــؤلاء الأفــــراد‎ ‎، ونظرتهم الفوقية ‏لعموم الناس .. بسبب إحســـاسهم المــــــــزيف‎ ‎بامــــــــــتـــــلاك " ســلطة "، تخولهم مساءلة غيرهم من ‏الناس .. من غير‎ ‎العسكريين ، وتولد لديهم روح عداء ، تدفـعهم أحياناً ، إلى ‏التعدي على الآخرين‎ . ‎تذكر أن زوجها يرد السلوك العدواني لبعض هؤلاء الجنود ‏، والإحساس المزيف بالسلطة‎ ‎عند أكثرهم ، إلى ( الحس الأمني ) العالي ، الذي ‏تضخه المؤسسة الأمنية فيهم ،‎ ‎فيتضخم الهاجس الأمني لديهم . هذا الوضع يؤدي ‏، كما فهمت منه ، إلى أن يتخيل الواحد‎ ‎منهم ، أنه ( وزير الداخلية ) ، وأن بقية ‏أفراد الناس ، ليسوا إلا عناصـــر‎ ‎مشــبوهة .. يجب إيقافهم ، ومساءلتهم ، ‏وإظهار سطوة السلطة عليهم .. وأحياناً‎ ‎إذلالهم .. لتتحقق ( هيبة ) الدولة‎ ..!

الوساخة والإهمال ، التي عليها‎ ‎المكتب ،والمواقف التي تتعرض لها ، من البوابة ‏‏.. حيث ينزلها وأطفالها سائق‎ ( ‎الليموزين ) .. وإلى أن تصل إلى هنا ، إضافةً ‏إلى نظرات بعض الجــنود إليها.. كل‎ ‎ذلك ، زادها اقتناعاً بالـــرأي ‏القـــديم لزوجها ، وموقفه تجاه هؤلاء، وهو ما‎ ‎حسبته يوماً ، تبرماً منه .. من ‏واقع لم يقدر على التكيف معه . ترسخ لديها هذا‎ ‎الاقتناع ، بعد تكرار ترددها على ‏المكان .. ومرورها بنفس الإجراءات الروتينية‎ ‎المملة .. وتعرضها لنفس الأسئلة ‏‏.. أحياناً من نفس الأشخاص ، والموقف المريب لأحد‏‎ ‎الضباط ، الذي طلب منها ‏في إحدى المرّات ، أن تأتي لوحدها .. من دون الأطفال ، إذا‎ ‎رغبت أن تقابله . ‏أو ذلك الذي أخذ رقم الهاتف ، وتكررت اتصالاته عليها . كاد أن‎ ‎يتحول هذا ‏الشعور تجاههم .. عندها ، إلى ما يشبه الاعتقاد ، لولا بعض المواقف‎ ‎الإنسانية ، ‏التي تبدر من بعض الجنود .. على ندرتها، أو ذلك التصرف الشهم ، لأحد‎ ‎الضباط ، الذي نزل من سيارته ، وطلب من سائقه الخاص أن يوصلها إلى ‏بيــــــتها ،‎ ‎واســـتقل هــــو ســــــيارة أجرة‎ .

كانت سارحة ، تتذكر آخر لقاء لها مع‎ ‎زوجها الراحل ، الذي قتلته رافعة ‏سقـــــطت عليه ، في أحد المواقع الإنشائية ،‎ ‎أثناء قيامه بالإشراف على ‏التنفيذ . في اللحظة التي انتزعت فيها آهة وجع من صدرها ،‎ ‎ورفعت يدها لتمسح ‏دمعات تدحرجت على خديها .. أسى على فراق الغالي ، جاءها صوت‎ ‎الجندي ‏عالياً : - يا حرمة .. يا حرمة، الضابط يقول : أيش المطلوب .. ؟‎

سئلت هذا السؤال ، بعدد المرات الكثيرة التي جاءتها إلى هنا . صار يساورها‎ ‎الشك حول طبيعة الأسئلة ، والغرض من تكرارها . لماذا تسأل أسئلة أجابت عليها ‏أكثر‎ ‎من مرّة .. ولماذا تشرح أمراً ، وضحته قولاً وكتابةً ، في كل مرّة أتت بها ‏إلى هذا‎ ‎المكان ؟‎ .

تملأ ورقة مثقلة بالتفاصيل، وتنتظر أربعين دقيقة .. لتسأل بعدها‎ : ‎ماذا تريدين .. ‏؟ ! أربعون دقيقة اقتطعتها من إنسانيتها وكرامتها ، وهي تقذف مثل‎ ‎كرة ، ‏مـــن زمــن لزمن .. " تعالي بكره .. تعالي الأسبوع الجاي " ، ومن‎ ‎عـــــــــــين ( جائعة ) لأخــــــــــــرى .. " ‏الموضوع ما هو عندي .. عند الضابط‎ .. ‎عند الرقيب " . أربعون دقيقة .. نهبت ‏من وسن تحتاجه أعين صغيرة ، أعياها السهاد‎ .. ‎يتماً ، وذلاً .. وليل طويل ، ‏يملؤه شبح الأب الغائب ، وأنين امرأة جريحة : زوج‎ ‎طواه الردى ، وولد غيبته ‏السجون ..! أحياناً تعزو ذلك الذي تتعرض له ، إلى سوء‎ ‎التنظيم .. أو ما كان ‏يسميه زوجها الراحل ، الفــــوضى والتخلف .. بلعت غصة مملوءة‎ ‎بالمرارة ‏، وهي تخنق ابتسامة شاحبة ، حين تذكرت كلمات زوجها ، يوم عبرّ بإحباط ، ‏عن‎ ‎واقع يشاهده يومياً ، في القطاع الذي يعمل فيه : " لدينا في إدارتنا هذه .. ‏وفي‎ ‎إدارات مشابهة ، لا يستحي التخلف .. بل يســـــــــــير " ‏مرفوع الرأس " .. حيث‎ ‎التعامل والممارسة هنا ، رذيلة .. يهون عندها التخلف‎ " ‎‎.

كان صدى صوت‎ ‎الجندي .. يردد السؤال : ( أيش المطلوب .. أيش المطلوب ) ، ‏يرن في أذنيها .. ويزرع‎ ‎غيظاً . لم تشأ أن ترد على سؤال الجندي ، وهي في ‏مكانها حيث ستضطر لرفع صوتها ،‎ ‎خاصةً وأنها لاحظت ، في مرّات سابقة ، أن ‏هناك تعمداً لتكرار السؤال ، والدخول في‎ ‎تفاصيل مفتعلة .. وأن تتكرر منها ‏بالتالي .. الإجابة والردود ، فتدخل فيما يشبه‎ ‎الحوار . يستمتعون بسماع صوتها ‏‏.. لقد سمعت أحدهم في إحـــدى المرّات ، يقول لصاحبه‎ : - ‎أووف .. يا ‏عليها صوت‎ .. !

نهضت وتوجهت نحو الجندي ، حيث كان جالساً ،‎ ‎ينادي من وراء مكتبه . قالت ‏بصوت خفيض : - أنا طلبت زيارة .. - زيارة أيش .. ؟ كان‎ ‎يحدق بها ، وهي ‏ترمق عينيه الغائرتين ، من وراء غطاء وجهها ، وتتأمل شفتين يابستين‏‎ ‎، ترك ‏التدخين الشره ، أثاره عليهما .. فتراكمت فوقهما طبقة سوداء ، وبرزت فيهما‎ ‎تشققات دامية ، لا يفتأ بين وقت وآخر ، يمسحها بظاهر كفه . تنفرج شفتاه عن ‏أسنان‎ ‎عاث السوس فيها ، وما نجا منها من التسوس ، تتلبد فوقه طبقة جيرية ‏صفراء .. وبقايا‎ ‎طعام . شعرت بالاشمئزاز ، حين تذكرت أنه في إحدى زياراتها ‏الأولى ، أدخل أحدهــم‎ ‎وجهه ، من نافذة سيارة الأجرة ، التي جاؤوا بها ، ‏عندما كانت تستفسر منه ، عن بعض‎ ‎الإجراءات . وقتها لم تتبيّنه جيداً ، رغم أنها ‏في لحظة من اللحظات ، كانت تشاهد‎ ‎الرذاذ المتطاير من فمه ، يقع على ملابسها ‏‏. لج في ذهنها خاطر : أي فم يشتهي أن‎ ‎يقترب من هذه الأفواه ؟ ! إذا لم يردع ‏هؤلاء دين وحياء .. ألا يردعهم ، التبصر في‎ ‎أشكالهم المقززة ؟ ! استـــفزها ‏أسلوبه في السؤال : ( زيــــــــارة أيش ..؟ ) . من‎ ‎يمــــــكن ‏أن يكون خلـــف هـــــذه الأسوار ، يضطر امرأة لتسفح حياءها .. في ‏أماكن‎ ‎كهذه ، ويدفـــــــــــعها لتـــــــتردد بيـــن ( ‏كائنات ) تتـشهاها .. لا ترى‎ ‎فيها إلا ( وعــاء ) للرغبة ، يمكن .. مع بعض ‏الابتزاز والمساومة حيازته ..؟‎

‎- ‎زيارة ولدي .. كتبت هذا في الورقة .. التي طلبتم مني تعبئتها ..! - ولدك‏‎ ‎مسجون ..؟ - نعم ..! - أيش قضيته ..! صمتت .. لم تجبه . تعرف أن الفضول ‏سلوك‎ ‎اجتماعي رائج ، لــــــكن .. لا يـــكـــون فــــجاً ، ‏بليداً بهذا الشكل . لم‎ ‎ينتظر إجابتها .. أشار إليها أن تعــود إلى مــكانها . ‏بعد ربع ساعة فوجئت به يقف‎ ‎قريباً من الستارة . كان في وضع يستطيع فيه أن ‏يراها . ارتبكت حينما رأته ، وأسرعت‎ ‎بتغطية وجهها ، وحاولت أن تجمع العباءة ‏حول جسمها . كان يبدو أنه هناك .. منذ بعض‎ ‎الوقت ، واقف في مكانه يراقبها . ‏فهو .. ما أن لاحظ ارتباكها ، بعـــــد أن رأته ،‎ ‎حتى بادر قائلاً : - ‏الضابط يقول ما فيه زيارة اليوم .. شعرت بالاحتقار ، وبالغيظ‎ ‎يأكل قلبها : - ‏كيف .. ؟ هذه ثالث مرّة أجيء ، وتقولون لي ما فيه زيارة ..! - هذا‏‎ ‎كلام ‏الضابط .. تقدرين تكلمينه .. إذا تريدين .. - أكلمه .. لماذا ؟ هذا الذي‎ ‎تصنعونه ‏بي حرام .. آتي أجرجر هؤلاء الأطفال ، من صباح رب العالمين .. من ( ‏ليموزين‎ ) ‎إلى ( ليموزين ) .. وفي الأخير .. قاطعها : - والله ما أحد قال لك ‏تجيئين ، بدون‎ ‎ما تتصلين .. وتعرفين مواعيد الزيارات‎ .

خنقها البكاء .. فسكتت . دفعت‎ ‎الأطفال أمامها ، وتوجهت إلى المكتب ، الذي ‏أشاروا لها أنه للضابط المناوب . حين‎ ‎دخلت ، أخذ يطيل النظر إليها ، ويصعد ‏بصره فيها . كلهم سواء ، لا فرق بين جنديهم‎ ‎وضابطهم .. حدثت نفسها . أنا ‏أمامهم .. لست أكثر من جسد يشتهى . لست أماً ملّوعة‎ ‎،ابنها مكبل بقيوده ، خلف ‏القضبان‎ .

‎- ‎أريد زيارة ابني .. - ما قالوا لك ،‏‎ ‎ما فيه زيارة اليوم ؟ .. أنا أحب أساعدك ، ‏لكن .. ما أقدر .. - لكن المرّة الماضية‏‎ .. ‎والتي قبلها ،ومرّات أخرى كثيرة .. ‏ردّيتوني ، وقلتم ما فيه زيارة .. - صحيح‏‎ .. ‎المرّة الماضية ما كان ولدك ‏موجوداً.. كان في المحكمة .. - والتي قبلها ..؟ - أيضاً‏‎ .. ‎ما كان موجوداً .. ‏كان في المحكمة .. - في المحكمة مرتين .. وما خلص موضوعه .. ؟‎ - ‎لا .. ‏المرّة الأولى لم يأتوا خصومه .. وأجل الشيخ النظر في القضية .. والمرّة‎ ‎الثانية ‏ما جلس الشيخ ..! - ما جلس الشيخ .. ؟ !من هو الشيخ .. أين مكتبه ، أين‎ ‎يجلس ..؟ - الشيخ حمد المقفي .. مكتب رقم ( 19 ) ، في المحكمة المستعجلة‎ ‎‎..! ‎المحكمة المستعجلة .. والولد يدخل شهره السابع في السجن ..؟! ‏كيـــــــف لو لــــم‎ ‎تـــــكن ( مستعجلة ) ؟ !.. تساءلت ‏بصوت غير مسموع ، وشعرت بوجع يتراكم .. ويجثم‎ ‎على صدرها ..! - ‏‏......................................... - أبو الولد .. زوجك‎ ‎موجود ..؟ - ‏متوفى .. - اذهبي .. واتركي تلفونك ، وأنا أتصل فيك .. غامت الدنيا في‎ ‎عينيها ‏‏.. وشعرت باختناق . أطبقت كفها على يد أصغر الأطفال ، وسحبته متجهة نحو‎ ‎الباب ، دون أن تقول شيئاً .. - ما تبغين تتركين تلفونك ..؟‎

لم ترد عليه‎ .. ‎كانت مختنقة .. محبطة ،حزينة . قبل أن تضع قدمها خارج المكتب ‏، لمحت لوحة معلقة على‎ ‎الحائط المقابل .. قد إزدانت بآية كريمة : " الذين آمنوا ‏، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم‎ . ‎أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " . لا تدري ما علاقة ‏الآية بالسجن ..! ربما لشعور‎ ‎السجان أنه يحقق أمناً ، باحتجازه مراهقاً خلف ‏القضبان لعدة أشهر ، لأن ( فضيلة‎ ) ‎القاضي يؤجل موضوعه .. شهراً بعد آخر ‏‏..! " أجل الشيخ الجلسة .. لم يجلس الشيخ‎ " . ‎عبارات كانت تنغرس في وجدانها ‏، كالحسك في عين عزلاء .. ليس إلا الدمع ، ماء ينسكب‎ .. ‎ويستل النور والحياة ‏‏. لم تقف في تفكيرها طويلاً .. عند الهدف من كتابة هذه‎ ‎الآية ، وتعليقها في لوحة ‏، في مكتب سجان . تذكرت أنها كانت قد رأت شيئاً ( مشابهاً‎ ) .. ‎عبارة مكتوبة ‏على مكتب أحد الجنود.. خَطّها هو ، أو ربما أحد زملائه .. تقول‎ : ( ‎العدل أساس ‏الملك .. صدق الله العظيم‎ ) .. !

حين اجتازت البوابة الرئيسية‎ .. ‎إلى الشارع ، كانت الشمس تقترب من وسط ‏السماء . شديدة التوهج .. شديدة الحرارة‎ . ‎حزم من أشعتها تقع على زجاج ‏السيارات العابرة بســرعة ، فتحدث وميضاً ، يشل قدرتها‎ ‎على الإبصار ‏للحظات .. فيزيدها توتراً . مرّ وقت ، ولم تأت أي سيارة أجرة ، من‎ ‎سيارات ( ‏الليموزين ) .. التي عادةً ما تمتليء بها الشوارع . موقع السجن ناء .. حتى‎ ‎عن ‏أطراف المدينة ، ومن النادر أن ترتاده سيارات الأجرة . صهرتها الشمس ، ‏وانكمش‎ ‎الأطفال من الحر، فلاذ بعضهم بها . وهج الشمس أجبرهم أن يمدوا ‏سواعدهم الصغيرة‎ ‎النحيلة ، بمحاذاة أعينهم ، وأن يغمضوا إلى أقصى حد ‏يستطيعوه، ليتقوا الضوء الشديد‎ . ‎أصحاب السيارات المارة ، توقف بعضهم ، ‏وعرضوا عليها المساعدة . لم تشأ أن تستجيب‎ ‎لأي عرض ، رغم وطأة حرارة ‏الشمس . لا تستطيع أن تميز مَن مِن هؤلاء الرجال ، يريد‎ ‎أن يساعدها حقاً . ‏تتذكر بكثير من الأسى حديث أمها عن قريتهم ، وحال الرجال والنساء‎ ‎، يعملون ‏جنباً إلى جنب .. في الحقول والمراعي . كانت ليلة رعب حقيقية ، يوم عادت‎ ‎هي ‏وإياها .. وزوجة جارهم ، من المسجد المجاور لمنزلهم ، بعد صلاة التراويح . ‏في‎ ‎الشارع المعتم قليلاً ، حاصرهن أحد الأشخاص ، وحاول التعرض لهن . ‏عندما أفاقت الأم‎ ‎من صـــدمة الـمـــــوقف .. فيما بعد ، ظلت تردد : ‏‏" لا .. ما هذي بديرتنا .. ما‎ ‎هذي بديرتنا " .. ! ثم انطلقت تحكي قصصاً ‏كالأحلام ، عن مجتمع كان .. تعطر بالبراءة‎ ..! ‎الانتظار ممض ، تحت أشعة ‏شمس ، تضج من حرّها الحجارة الصماء . لم تكن حرارة‎ ‎الشمس هو ما تشكو ، ‏بقدر ما يفت كبدها الغبن والظلم ، الذي تحس ناره تتسعر في‎ ‎أحشائها .. وهي ‏تتسول حقاً لها ، وتتعرض من أجله .. للابتزاز . كان التساؤل يتضخم‎ ‎في ذهنها ، ‏ويتمدد مثل ورم سرطاني : " إذا كان قدر امرأة في مجتمعها ، أن تجد نفسها‎ ‎بلا ( ‏رجل ) .. لماذا يلجئونها إلى أوضاع مهينة كهذه ؟ هل قدرها إذا فقدت الرجل ،‏‎ ‎أن تفقد الاحساس بالأمان .. وأن تفقد الكرامة ، والتعامل الكريم ، ‏الــــــــــــذي‎ ‎يحـــــــــمل عنـــــها بعض آلام ( ‏الفـــــقد ) .. وما يخلفه من شعور بالعجز .. ؟‎ ! " .‎
يتبع...........‏

 


توقيع مستشار  

 

رد مع اقتباس

 

 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


الساعة الآن 02:36 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 3
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

أن كل ما ينشر في المنتدى لا يمثل رأي الإدارة وانما يمثل رأي أصحابها

جميع الحقوق محفوظة لشبكة سكاو

2003-2025