بانتظار بدل التعيين! (قصة خريج أصبح يكره اللغة العربية!)

[frrr]

سمو الوزير, أصحاب الشأن, أولي الأمر...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


هذه الرسالة امتزجت بدموع مخلوق هو البراءة في أجمل تجلياتها, والطفولة في أبسط تعابيرها, إنها ابنتي (مريم)!. لا أدري ماهو ذلك الإحساس الذي ينتابني كلما رأيت ابنتي ذات الثلاث سنوات تبكي, أوتتلوى. قد يبدو هذا المشهد مألوفا, لكنه في هذا السياق, مشهد آخر, آخر جدا, لايرى إلا في بعض الأصقاع المنكوبة. إنها ياسيدي, تبكي من حر الحرمان, ومن لسع الجوع!, تبحث عن ذلك الحليب الذي يدهن معدتها الخاوية. أواااه.

إني أكتب هذه الرسالة, بعد أن دخلت شقتي الصغيرة, ووجدت زوجتي الصابرة على سجادتها تدعو, أحسست بشيء يعصر فؤادي. كنت أعلم أنها تدعو أن يفرج الله عنا هذه الكربة. التي بدا أنها طالت...!
عندها, توجهت إلى دفتري, موهما أني أقرأ بعض دفاتر طلابي في (المدرسة الأهلية) (سابقا), لكنني وجدت نفسي أكتب هذه الرسالة إليك. إليك أنت, وإلى كل من له قدر وقدرة.

أيها الوزير, أيها المسؤولون, إني أعلم أن خيالكم –كمايبدو- لايسعه أن يتصور هذه المشاهد البائسة. بل لربما كان يتضجر ويتململ منها. لكنها حقيقة لايمنع وجودها أن تُكذب.

إني أيها الفضلاء, كسائر الناس حولي, نشأت طفلا, لكنني ابتليت بالحرمان. جاهدت لأسد ذلك الحرمان بالدراسة, نجحت وتفوقت, أحببت اللغة العربية ومدرسها في المرحلة المتوسطة, سألته كيف لي أن أكون مثلك, قال لي, بإمكانك يابني, ... التحقت بجامعة باتت فخر المملكة , لأتخصص في تلك الكلمة التي تتوسط اسم بلدي (المملكة العربية السعودية).

كان الأمل يملأ قلبي, والفرحة تشع من وجهي حين نلت شهادة البكالوريوس في هذه التخصص الذي عانيت في سبيل إتقانه الكثير والكثير. بدأته وأنا محب, وانتهيت من دراسته وأنا أزداد ولعا وغراما.

قيل لي, جاء دورك الآن لتعطي شيئا مما أخذت. هززت رأسي, لأرد, لعمرو الله فذلك هو المبتغى!.

خرجت مزهوا بنفسي, وبالدرجات التي تحصلتها. قابلت عددا من أصدقائي من الثانوية, كلهم كان مبتهجا بتخرجه, مزهوا بشهادته. لكنني كنت أشدهم, وأعظم فرحة!. تنازعوا جميعا حفلة التخرج, فأبيت إلا أن تكون حفلتي. فنلتها وأنَّى لأحد أن يقف في وجه متخصص في فنون الكلام وأسراره!. صديقي خريج الصيدلة كان يقول (لماذا درست اللغة العربية). أجبت بثقة إنها حبي, رد خريج الحاسب الآلي, وهل يجلب هذا الحب المال؟ , حينها, قلت إن هناك حاجة للغة العربية في المدارس. ولم يكن لدي أدنى شك!

مضت تلك الليلة, وانقضت. عدت إلى البيت ووالدتي تقول قد كنت أنتظر هذه اللحظة منذ زمن طويل! لقد فخرت بك أولا, وهاأنا أفخر بك ثانية. أردفت, بني, آن لك أن تتزوج ابنة عمك, فإنها وصية عمك. رمقتها وقد طغى الحياة على جبيني, لأرد: أنت تعلمين أنه حلمي, لكنني ربما أحتاج شيئا من الوقت. شددت علي وقالت, ليس لابنه عمك سواك!, لم يكن بمقدوري أن أترك ابنة عمي اليتيمة وحيدة, أو أتجاهل إصرار والدتي.
تزوجتها, لم نتمكن من السفر لـ (شهر عسل), كنت أقول: فقط انتظري حتى أحصل على (بدل تعيين) حينها سوف ترين من جنات (الطايف) وشواطئ (جدة) مايجعل شهرنا شهدا مصفى!.

كانت تترقب ذلك كأي فتاة في السابعة عشرة, تسمع عن ذلك الشهر العسلي, وكنت أناكذلك.

انتظرت بدل التعيين خمسة أشهر, لم أجد صوتاً, لم يأتني جواب. قالت لي أمي, لعلك تبحث عن عمل, عملت معلما في مدرسة أهلية (بشكل مؤقت). كنت بالكاد أعيش يومي مع أمي وزوجتي. أخبرتني زوجتي أنها حامل, لم أصدق. ولدت بنتا, بدأت تدب, وتتحرك,,, وأنا فقط أرقب بدل التعيين!

أمي كانت تشكو مرضا في صدرها, كانت تراجع في الشميسي, ازدادت آلامها, لكن المواعيد تحتاج أشهراً. سمعت أمي تهاتف أختها, تقول (مسيكين وليدي, مالقى وظيفة, تخصصه لغة عربية!! ماأدري وش وداه لها التخصص)!!! قلت في نفسي (أنا أحبه, أحبه ياأمي, لاشك أنه فيه وظايف)!
تدينت لأؤمن علاجها في أسرع وقت, لم يكن لدي (واسطة). علاجها كلف عشرة أضعاف راتبي..., مستشفى خاص, إقامة, أسبوع ونصف في المستشفى,,,,, أمي ماتت!.
أصبحت بين سندان حاجات أسرتي, ومطرقة أجار الشقة, الدائنون! أسودت الدنيا في وجهي!
في يوم الاثنين, عدت إلى البيت لأجد ابنتي تبكي, وزوجتي قد كوى الحرمان فؤادها. قالت إنها سوف تعمل (على الأقل لتساعدني في تغذية ابنتي). قالت إنها وجدت عملا, لم أسأل حتى عن كنه هذا العمل!. قلت لها أعانك الله.
كلما رأيتها تلبس عبايتها وتخرج, تمنيت لو أستطيع أن أفعل ذلك أيضاً, ألبس عباءة وأتخفى عن الناس, أتهرب من نظرات الدائنين, ومن الناس أجمعين.
تعرضت لكثير من الضغوط في عملي, كنت أدرس مادة لاصلة لها باللغة العربية, تركت المدرسة, توجهت إلى الوزارة, طالبت بحقي, لم أجد أذنا تسمع!
حاولت العمل سائق ليموزين, لم أتمكن, يلزمني حينها سيارة جديدة, عملت (كداد), أنقل الناس إلى أماكن متعددة, كنت ألاحق من قبل المرور, كان عملا غير مرخص. كنت أقول, سوف أترك هذا العمل قريبا. أنا متخرج لغة عربية. سوف أدرس في المدارس.
انتظرت سنة, سنتين, ثلاث, أربع, لاصوت.
زوجتي لم تستطع الإكمال في عملها. عادت إلى البيت. كانت زوجتي إذا غضبت مني (وقلما تفعل) تعيرني بأنني متخصص في اللغة العربية, كانت تقول, متخصصو البدنية والفنية أفضل منك. أنت ماعندك (سالفة). كنت أقول, أنا متخصص في لغة القرآن, ومحب لهذه اللغة, ومتفوق فيها. سوف أجد وظيفة, لاشك أن هناك وظائف سوف يعلن عنها.
لاأدري ماذا يحدث, أصبحت بعد ذلك لاأخبر أنني خريج لغة عربية, باتت كأنها (عبرية). الناس لايحترمونها, ولايرون فيها أي قيمة. بت أفضل أن أقول أنني لم أدرس جامعة على أن أقول إنني خريج لغة عربية, وهذا على الأقل ضمن لي وظيفة (سيكورتي).

إنني براء من هذه اللغة. تلك التي أصبح لاقيمة لها في المملكة العربية السعودية!

سيكورتي

[Aishah AL-farhah]

رسالة أبكتني

أنى لك بهذه الرسالة ؟؟

لاحول لنا ولاقوة إلا بالله

[صوت العربية]

يا أخي الكريم ، أسأل الله أن يفرّج عنك ، و أن يفتح لك أبواب السماء
وأن يمدك بخير ما عنده ، فلا ترجو أحدا سواه
أما ما حواه صدرك من العلم فهنيئا لك به ، لو لم يكن منه إلا فهم الكتاب و السنة
وتذوقك علو هذين البيانين ، البيان الإلهي العليّ ، والبيان البشري العالي .
لا تنظر إلى الدهماء من الناس ، وإلى العامة ، فأولاء لا تسعفهم ملكاتهم وقدراتهم
لتقدير ما تعلمته ، ولكن انظر مكان هذا العلم عند أهل العلم والفضل .
فتح الله عليك ألطافه وفضائله.