في بلادي طاقات مهدرة

[مواطن بفيزة طالب]

في بلادي طاقات مهدرة

كتبه : نواف الأحمدي صحيفة المدينة 2004

كنت جالس في مكتبي ذات يوم فطلب مني رئيس التحرير وقتها أن اعمل مقالات عن مشاهداتي الميدانية لتسجيل طلاب الجامعات والكليات في بلادنا العزيزة على قلوبنا لان الوقت وقت قبول وتسجيل في جميع أنحاء المملكة ولابد من الشكاوي والتذمر من جميع الفئات حينها وأقول حينها لأني لا اعلم فربما في المستقبل تتغير الأوضاع ويصبح القبول بدون عناء ولا تعب ولا مشقة فيكف الناس ألسنتهم عن المسؤلين ...
توكلت على خالقي وبدأت في الرياض ومنظر الطلاب المرعب ثم ذهبت للمنطقة الشرقية فوجدتها أفضل حالا نسبيا رغم التذمر السائد في جنبات كلياتها واخيرا انتهى بي المطاف في المنطقة الغربية وتحديداً في جدة فذهبت مبكرا وجلست امام مبنى عمادة القبول والتسجيل في جامعتها العريقة فكان الوضع لا يختلف كثيرا عن باقي المناطق الاخرى.
تفاجأت بمنظر غريب وهو لأحد الطلاب يحمل ملف اخضر ويقف بكامل اناقتة امام مدخل باب العمادة شكله غريب وعجيب ناصع البياض وسيم جداً ويقف بجانبه شخص أخر يتكلم معه قليلاً ثم يدخلان المبنى قليلا ويخرجان اقتربت وسلمت وسألتهم عن القبول وكيف وجدوا التعامل معهما طالعني ذلك الشاب بنظرة حزينة وقال لا جديد ياخي وسكت فطلبت من صديقة أن يخبرني ماهو الموضوع فقال انه أخي وذكر لي القصة كاملة بعيداً عنه حتى لا يسمعه أتعلمون ماهي القصة حسناً سأختصرها لكم .
قصته انه طالب سابق في كلية الطب البشري بالرياض وقد انهى خمس سنوات من الدراسة في الكلية وكان معدله في كل مستوى لا يقل عن 4.25 ومع بداية الدراسة في عامة السادس أصيب بمرض غامض فأصبح قليل الكلام وقليل الأكل ولا يحضر للجامعة نهائياً فكنت أحضرة شخصيا فيبكي كالطفل ولا يستطيع دخول كليته بدأنا رحلة علاج طويلة استمرت قرابة سبعة أعوام إلى أن شفاه الله وتحسنت صحته بعد أن فسرت حالته بعين حاسد والعين حق والآن نريد أن يكمل دراسته ولكنهم رفضوا ذلك بل رفضوا قبوله نهائيا بسبب طول فترة الانقطاع ومنذ عامين ونحن نحاول ولكن دون جدوى . فقلت من الذين رفضوا ؟ رد أخوة بحزن جميع الجامعات وانتهى الحديث بيننا بالتعارف وتبادل أرقام الهواتف لعلي استطيع مساعدتهم مستقبلاً .
دارت الأيام ومضى عام ونصف فقمت بالأتصال عليهم لكي اعرف أخبارهم فرد علي أخوة وبعد السلام سألته عن حال أخيه فقال بنبرة حزينة لقد توفي منذ أربعة أشهر أنهيت المكالمة وجلست أتذكره وهو واقف أمام بوابة القبول والتسجيل وكأنه لا وزن له ولا قيمة وقتها أحسست بالعبرة تخنقني وتكتم أنفاسي خمس سنوات بتقدير امتياز ومعدل لا يقل عن 4.25 لماذا ظلمتموه ياعمادات الجامعات رحمه الله ولماذا لم تقفوا معه وهذا واجبكم فنحن واقسم بالله صادقاً بحاجة له ولأمثاله أيها المسئولين ولا املك إلى أن أقول حسبي الله ونعم الوكيل ومثل ماحرمت في الدنيا من تحقيق أمنيتك أسال الله جل وعلا أن لا يحرمك الجنة .

ومضة : إلى متى ونحن نهدر طاقاتنا البشرية الجواب اتركه لكم .

يقول الشاعر :

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند.

هذا المقال من بين مئات الملفات المحتفظ بها من جهازي القديم فوضعته هنا ليتم التحديث .