أديب في كارثة جدة

[البيك]

أديب في كارثة جدة

أي مكان يرسم على محياك أسى، ويدر من عينيك دمعا، هو مزرعة خصبة لكل أديب صادق، ولا يكاد يبعد كلامي عن أقوال قيلت بـ ( إن الألم ينتج الأدب ) و ( المآسي محاضن النصوص الأدبية )، ونظرة عجلى على المبدعين العرب وغير العرب في كافة الفنون، تجد كثيرا منهم مر بتجربة إنسانية مؤلمة، صقلت موهبته، وزكت فنه وأدبه.
ونحن في مدينة جدة التي أصابها مصابها يوم الأربعاء الثامن من ذي الحجة لعام1430هـ، حيث جرفت السيول القادمة من الجبال التي تقع شرقي جدة عددا هائلا من الأرواح والأموال، وتناول الإعلام بشتى وسائله وطرقه هذه الكارثة فراح يغطيها تغطيات مختلفة، ومتنوعة، إلا أن صوت الأديب في هذه الكارثة لا أقول كان غائبا، بل كان قليلا وضعيفا.
الأديب يلتقط هذه المشاهد، فيتأثر، فتمتزج بها روحه وعقله وقلبه وفكره، الأديب لايفكر في هذه الكارثة من الناحية الطبيعية أو المسؤولين، الأديب يفكر في هذه الكارثة إنسانيا، يفكر في مشاعر الإنسان في إحاسيسه، فيما كانه ويكونه، الأديب يلتمس هذا الحدث، ليصنع للناس لوحة يبكون أمامها، تتحرك مشاعرهم بعد قراءتها، يعملون بعدها، الأديب يكتب الحروف بدم قلبه قبل حبر قلمه، إنه يضيء مناطق لم تقع عليها الأضواء، إنه يرسم خطة مستقبلية لحياة الحياة، إنه يضع بين السطور قلبه، يعيره للناس لكي يتعلموا كيف يتفاعلوا مع مثل هذه المشاهد.
إن كارثة جدة المأساوية بكل ما تعينه هذه الكلمة وبكل أبجدياتها ومحاورها كافية لانتاج أدب راق يسمو بالمجتمع، ويأخذ بأيديهم نحو التعالي على الجرح، وإغماد سيوف الخيانة، والتحرك السليم نحو طريق الحق المستقيم، إنها مأساة يمكن تصديرها للشعوب في كافة أنحاء العالم، فالفكرة الأدبية الصافية النقية يمكن أن تحدث في أي مكان في الكرة الأرضية.